العادة كما لم يمنع دعوى المعارضة في كل زمان ، وإن كان ذلك لما في القرآن بل الواجب ، بالنظر إلى العادات ومقتضى الطباع ، النقل لمثل ما هو من هذا القبيل ، ولو على سبيل الإسرار ، كما قد جرت به عادة الناس في التحدث بمساوئ ملوكهم وإظهار معايبهم ، وإن كان خوف السيف قائما في حقهم لا سيما وبلاد الكفار متسعة ، وكلمة الكفر في غير موضع شائعة ، فلو كان ذلك مما له وقوع لقد أشيع كما أشيع غيره مما ليس بموافق للدين ، ولا يتقبله أحد من المسلمين ، : ولا جائز أن يقال : إن ترك المعارضة محمول على الإهمال ، أو على الغفلة عن كون المعارضة موجبة للإفحام ، أو على اعتقاد أن السيف أبلغ في دحره وردعه وإبطال دعوته ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قد كان يقرعهم بالعي ، ويردد عليهم تعجيزهم في الأحياء ، ويقول : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) [يونس : ٣٨] ، مع أن العرب قد كانت في محافلها تتفاخر بمعارضة الركيك من الشعر ، وتتناظر في مجالسها بمقابلة السخيف من النثر ، ولا محالة أن القرآن في نظر من له أدنى ذوق من العربية ، وأقل نصاب من الأمور الأدبية ، لا يتقاصر عن فصيح أقوال العرب ، وبديع فصولهم في النظم والنثر ، بل والخطب ، فكيف يخطر بعقل عاقل ، أو يتوهم واهم ، أن العرب مع ما أوتوه من العقل الغزير ، ومن حسن التصرف والتدبير ، تتاركوا معارضة القرآن ، إخساسا به وإهمالا ، أو لغفلتهم أن ذلك مما يدفع الضرر عنهم ، أو لأن السيف أنجع وأوقع لهم ، مع ما كان المسلمون عليه من شدة البأس وعظم المراس ، والقوة الباهرة ، والعزمة الحاضرة ، والنصرة الحاصرة ، وهم يمكنهم دفع ذلك كله بفصل أو سورة يقولها واحد منهم؟ إن هذا لهو الخسران المبين.
ولا ننكر أن هذه المثلات ، ووقوع هذه الاحتمالات بالنظر إلى العقل وإلى ذواتها ، ممكنات ، لكنها كما أوضحناه بالنظر إلى العادة ، من المستحيلات ، ولا يلزم أن ما كان ممكنا باعتبار ذاته لا يلزم المحال من فرض