عن أن يكون دالا
على صدقه من حيث إن المعجزة لم تدل إلا من جهة أنها نازلة منزلة التصديق بالقول ،
وذلك لا يكون إلا مع وجودها عند الدعوى ، لا قبلها ، كما سبق وليس إظهار ذلك عند
الدعوى خارقا ، كما في الإحياء ، وشق البحر ونحوه ، بل هو محض تلاوة وتكرار ، ولا
افتراق فيه بين إنسان وإنسان ، وإنما الخارق إظهاره إليه واطلاعه عليه ، ومع جواز
سبقه يمتنع أن يكون دالا على صدقه.
والوجه
الثاني : أن من حفظه ، ومضى
به إلى أهل بلد لم تبلغهم الدعوة ولم يسمعوا بمثله ، ولا بمن ورد على يده ، فتحدى
به عليهم ، فلا بد من أن يوجب التصديق أو التكذيب : فإن أوجب التصديق فهو معلوم
كذبه ، وإن أوجب التكذيب مع ما ظهر لهم على يده من الخارق ، أفضى إلى إفحام الرسل
، وإبطال المعجزات وظهور الآيات ، ولذلك لا سبيل إلى القول بمثل ما ينقل ويحفظ أن
يكون معجزا ، دالا على صدق الرسالة ، بل المعجزات يجب أن تكون كشق البحر وإحياء
الموتى وقلب العصا حية إلى غير ذلك ، مما لا سبيل إلى ظهوره على يد غير نبي.
فإذا قد ثبت لا
إعجاز في القرآن ، ثم ولو كان معجزا بناء على كونه خارقا لوجب أن يكون ما ظهر من
العلوم الرياضية ؛ كالهندسية والحسابية ، معجزا ، وأن يجب التصديق لمن أتى به عند
تحديه بالرسالة ودعواه للنبوة ، وهو محال ، وما ذكرتموه من تسبيح الحصى وانشقاق
القمر ، وتكليم الغزالة ، وحنين الجذع ، ونحو ذلك فآحاد هذه الأمور غير معلومة ،
ولا منقولة بطريق التواتر وإنما هي مستندة إلى الآحاد ، وهي مما لا سبيل إلى
التمسك بها في القطعيات وإثبات النبوات ، وزادت العنانية على هؤلاء ، فقالوا : قد
ثبت أن موسى الكليم كان نبيا صادقا ؛ بما ظهر على يده من شق البحر ، وقلب العصا
حية وبياض يده ، إلى غير ذلك ، وقد نقل عنه بالتواتر خلف عن سلف أنه قال لقومه :
هذه الشريعة مؤبدة عليكم ، لازمة لكم ما دامت السموات والأرض ،