فقد كذب كل من ادعى نسخ شريعته ، وتبديل ملته ، فلو قلنا : إن محمدا كان نبيا ، وإن شرعه ناسخ بطريق الصدق ، للزم أن يكون موسى الكليم فيما قاله كاذبا ، وهو محال.
وزادت الشمعنية على العنانية بأن قالوا : لو جاز أن يكون محمد نبيا لجاز القول بنسخ الشرائع ، والنسخ في نفسه محال ؛ فإنه إذا أمر بشيء فذلك يدل على حسنه وكونه مرادا ، وأن فيه مصلحة ، فلو نهي عنه انقلب الحسن قبيحا والمصلحة مفسدة ، وما كان مرادا ، غير مراد ، ويلزم من ذلك البداء والندم بعد الأمر والطلب ، وهو ممتنع في حق الله تعالى : ثم إن مدلول النسخ في الوضع ليس إلا الرفع ، وذلك لا سبيل إلى تحققه ، فيما أمر به ونهى عنه ، فإنه إما أن يكون الرفع لما وقع أو لما لم يقع : فإن كان لما وقع فهو محال ، وإن كان لما لم يقع فرفع غير الواقع محال أيضا كما وقع في الواقع.
وأما العيسوية منهم فإنهم قالوا : سلمنا ظهور المعجزات على يده واقترانها بدعوته ، لكنه إنما ادعى الرسالة للعرب خاصة ، لا إلى الأمم كافة ، فلا بد لبيان عموم دعواه من دليل قاطع ، ولا سبيل إليه.
والجواب عن كلمات أهل الزيغ عن الصواب :
أما إنكار ظهور القرآن على يده ، واقترانه بدعوته فمما لا سبيل إليه ، إلا في حق من رفع نقاب الحياء عن وجهه ، وارتكب جحد الضرورة الحاصلة من أخبار التواتر بذلك ؛ فإن ما من عصر ، من الأعصار ، ولا قطر من الأقطار ، إلا والناس فيه بأسرهم مطبقون ؛ الموافقون والمخالفون ، على أن ذلك مما لم يظهر إلا على يده ، ولا صدر إلا من جهته ، واستقر ذلك في الأنفس ، على نحو استقرار العلم بالملوك الماضية والأمم السالفة ، والبلاد النائية ، فمن تفوه بإنكاره فقد ظهرت مخازيه ، وسقطت مكالمته ، وكان كمن أنكر وجود مكة وبغداد ، ووجود من اشتهر من هؤلاء العباد ، ونحو ذلك وبه يندفع تشكيك من شكك على نفي العلم الحاصل بالأخبار ، الواردة على