بقدرته ، وإلا فلو
كان ذلك بالماء والتراب والفاعل له الطبيعة لما وقع الاختلاف.
ومما كثرت معانيه
، وقل لفظه ، على أتم بلاغة وأحسن فصاحة قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) ، فإنه مع قلة ألفاظه ورطوبتها قد دل على العفو عن
المذنبين ، وصلة القاطعين ، وإعطاء المانعين وتقوى الله ، وصلة الأرحام ، وحبس
اللسان ، وغض الطرف ، وغير ذلك من المعاني.
ومن أراد زيادة
الاختبار فعليه بالاعتبار ، والنظر في مجمله ومفصله ومحكمه ومتشابهه فإنه يجد في
طي ذلك العجب العجاب ، ويحقق بما أمكنه من إدراكه إعجازه لذوي العقول والألباب ،
وأن أبلغ وأحسن ما نطقت به بلغاء العرب من ذوي الأحساب والرتب ، المختصين من بين
الأمم ، المميزين عن سائر أصناف العجم ، بما منحهم الله تعالى به من اللسان العربي
المبين ، إذا نسبه إلى الكلام الرباني واللفظ اللاهوتي وجد النسبة بينهما على نحو
ما بين اللسان العربي والأعجمي ، ولعلم من نفسه ما اشتمل عليه من الإعجاز والبلاغة
والإيجاز وأن ذلك مما تتقاصر عن الإتيان بمثله أرباب اللسان ، وتكل عن معارضته
الإنس والجان ، (قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا
يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء : ٨٨].
فإنك ألا ترى إلى
فصيح قول العرب ، في معنى ارتداع سافك الدم بالقتل : «القتل أنفى للقتل» وفي قوله
تعالى : (فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] ،
وما بينهما في الفرق في الجزالة والبلاغة ، والتفاوت في الحروف الدالة على المعنى؟
ومن كان أشد تدربا ومعرفة بأوزان ، العرب ، ومذاهبها في اللغات ، وأساليبها في
العبارات ، كان أشد معرفة بإعجاز القرآن ، وأسبق إلى التصديق والإيمان ، كما أن من
كانت معرفته بعلم الطبيعة في زمن إبراهيم ،