وعلم السحر في زمن موسى ، والطب في زمن عيسى أشد ، كان أشد معرفة بالإعجاز ، وأسبق للتصديق والقبول لما جاء به الرسول ، كيف والعرب مع شدة بأسها ، وعظم مراسها ، ومنعتهم عن أن يدخلوا في حكم حاكم ، ونبوتهم عن أن يقبلوا رسم راسم ، منهم من أجاب بالقبول ، وأذعن بالدخول ، ومنهم من نكل عن الجواب ، واعتضد بالقبائل والأصحاب ، ولم يرض غير القيل والقال ، والحرب والنزال ، فاستنزل بالعنف عن رتبته ، وأخذ بالقهر مع نبوته؟ فلو أن ذلك مما لهم سبيل إلى معارضته ، أو إبداء سورة في مقابلته ، مع أنهم أهل اللسان ، وفصحاء الزمان لقد كانوا يبالغون في ذلك ما يجدون إليه سبيلا ، لإفحام من يدعي كونه نبيا أو رسولا ؛ إذ هو أقرب الطرق إلى إفحامه ، وأبلغها في دحره وانحسامه ، وادراء لما ينالهم في طاعته ومخالفته من الأوصاب ، وكفا لما يلحقهم في ذلك من الأنصاب ، وخراب البلاد ونهب الأموال ، واسترقاق الأولاد.
لا سيما وقد تحدّى بذلك تحدّى التعجيز عن الإتيان بمثله ، فقال : «فأتوا بكتاب مثله» ؛ بل «بعشر سور من مثله» ، بل سورة واحدة ، فلم يجدوا إلى سبيلا ، إلا أن منهم من وقف على معجزته ، وعرف وجه دلالته ، فواحد لم يسعه إلا الدخول في الإيمان والمبادرة إلى الإذعان ، وواحد غلبت عليه الشقاوة ، واستحكمت منه الطغاوة فخذل بذنبه ، ونكص على عقبه ، وقال : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر : ٥٤](إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [المائدة : ١١٠] ، ومنهم من حمله فرط جهله ، وقصور عقله ، على المعارضة والإتيان بمثله ؛ كما نقل من ترهات مسيلمة في قوله : الفيل والفيل وما أدراك ما الفيل ، له ذنب طويل ، وخرطوم وثبيل. وقوله : والزارعات زرعا فالحاصدات حصدا ، والطاحنات طحنا ، إلى غير ذلك من كلامه ، ولا يخفى ما في ذلك من الركاكة والفهاهة ، وما فيه من الدلالة على جهل قائله ، وضعف عقله وسخف رأيه ، حيث ظن أن هذا الكلام الغث الرث ، الذي