لأرباب العقول عليه. واستبعاد ذلك على أنه غير محسوس من الميت ، فمن أدرك بعقله حال النائم في منامه وما يناله من اللذات والتألمات بسبب ما يشاهده من حسن وقبيح ، مع ما هو عليه من سكون ظاهر جسمه وخمود جوارحه ، بل وكذا حال المحموم ، والمريض في حالة انغماره ، لم يتقاصر فهمه عن درك عذاب القبر ونعيمه ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون أجزاء البدن مجتمعة أو مفرقة ، فإن من أسكنه الألم في حالة الاجتماع قادر أن يسكنه ذلك في حالة الافتراق ، وذلك لا يستدعي أن يكون محسوسا ولا مشاهدا ، وعلى هذا يخرج استبعاد سؤاله وجوابه أيضا.
ومما يؤكد رفع هذا الاستبعاد ما علم من حال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حالة الوحي ومخاطبة جبريل له ، والناس حوله لا يسمعون ، وإنما كان كذلك لأن الأجزاء المستقلة بالفهم والجواب من الإنسان إنما هي أجزاء باطنة يعلمها الله تعالى في القلب ، فيجوز أن يخلق الله لها الحياة والفهم والجواب ، وإن كان باقي الجسم معطلا لا يشعر به صاحبه ، وذلك كما نشاهده ونعلمه من حال النائم ، والمغمي عليه ، لصرع أو مرض أو غيره ، عند مخاطبته ، أو محاورته لمن يتخيل له فيما هو عليه من حالته.
وليس الخطاب والسؤال لمجرد الروح المفارقة التي أجرى الله تعالى العادة بوجود حياة البدن عند مقارنتها والفوات عند فواتها ؛ إذ هو مخالف للظواهر الواردة به ، ولا هو للبدن على هيئته ؛ إذ هو مخالف للحس والعيان وذلك محال ، وإنكار الصراط الصراط والميزان ، وخلق الجنة والنار في الآن ، بناء على إنكار حصول الفائدة ، فمأخوذ من أصولهم الفاسدة في وجوب الغرض في أفعال الله تعالى وقد أبطلناه ثم ولو قدر ذلك ، فلعل له فيه لطفا وصلاحا لا تقف العقول عليه. ولا تهتدي الأذهان إليه ، بل الباري تعالى هو المستأثر بعلمه وحده ، لا يعلم تأويله غيره ثم كيف ينكر جواز العبور على الصراط والمشي عليه مع أن ذلك بالنسبة إلى مقدورات الله تعالى ، وخلق السموات