وإن قيل بالوقوف على عدم لا يلزم ثبوت الأولية له بسبب إبطاله بالوجود بعده. لم يلزم القول بأن الحركة الحادثة دالة على حدث السكون ، وليس المقصود غير الإنصاف وتجنب طرق الاعتساف ، وإلا لما اهتممنا بالكشف عن هذه العورت ، ولا الإبانة عن هذه الغمرات ، وهو إنما يعرفه الفطن الثبت الواعي لا الجاهل العنيد المتعامي.
فإذا الواجب فرض الدلالة في إثبات حدث الكائنات الفاسدات ، وما نجده على سبيل الاستحالة ، كالأزمنة والحركات وغير ذلك من الأمور المتعاقبات ، والطريقة الرشيقة في إثبات حدثها وبيان وجودها بعد عدمها ما سلكناه في قطع تسلسل العلل والمعلولات ، وقد سبق وجه تحقيقه ، فلا حاجة إلى إعادته ، واللازم عن ذلك على معتقد الخصم حدث الأفلاك لضرورة الحدث والانتهاء لما قام بها من الحركات وامتناع خلوها عنها عنده ، ويلزم من ذلك حدوث العقول التي هي مبادئ الأفلاك عندهم ، وحدث المعلول الأول الصادر عن واجب الوجود ، لكون ما وجد عنه وعنها حادثا ، وأن إيجادها لما وجد عنها ليس إلا بالذات وأن التقدم والتأخر بينهما بغير هذه الرتبة من الممتنعات كما عرفنا ، من تفصيل مذهبهم وأوضحناه من زيف معتقدهم. ويلزم من ذلك أن يكون وجود ما صدر عن واجب الوجود اختياريا وإبداعيا لا واجبا ، إذ لو استند ذلك إلى ذات المرجح له لما تأخر عن وجوده ، لتساوي أوقات الحدوث بالنسبة إليه.
ولا يلزم على هذا أن يقال : ولو كان وجوده إراديا لما تأخر وجوده عن وجود الإرادة المخصصة له ، لتساوي أوقات الحدوث بالنسبة إليها أيضا. إذ هو يتضمن إبطال معنى الإرادة ، إذ الإرادة على ما وقع عليه الاتفاق ـ ليس إلا عبارة عن معنى يخصص الحادث بزمان حدوثه ، فإن قيل : إن نسبة سائر أوقات الحدوث إلى الإرادة على وتيرة واحدة ، فلم خصصته بالبعض دون البعض؟ كان معناه : لم كانت الإرادة إرادة؟ ولا يخفى ما فيه من الغباوة والحمق والجهالة وليس هو إلا كما لو قيل : الإنسان ـ مثلا ـ حيوان ناطق فقيل : ولم؟ إذ ليس حاصله غير القول : لم كان الإنسان إنسانا؟ وهو هو معنى ،