وأما ادعاء المناسبة ووجوب التعلق بين الموجب بالذات وما أوجبه : إن أريد به أن يكون كل واحد منهما على حقيقته بحيث يلزم من وجود أحدهما وجود الآخر فذلك مما لا نزاع فيه. وإنما الشأن بيان أنه لم يثبت للباري تعالى ولما أوجبه الحقيقة التي يكون بها أحدهما علة والآخر معلولا ، ولا يخفى ما فيه من التعسف. وإن أريد بالمناسبة المساواة والمشابهة في أمر ما فذلك أيضا تحكم غير مقبول. ثم كيف يمكن القول بذلك ولو وقع لم يخل إما أن يكون الإيجاب باعتباره ، أو باعتبار ما وقع الاختلاف فيه بين حقيقة الموجب والموجب : فإن كان باعتباره ، فليس جعل أحدهما علة للآخر بأولى من العكس ، لضرورة التساوي بينهما في ذلك المعنى. وإن كان باعتبار ما وقع به الاختلاف فلا حاجة إلى القول بالمشابهة ولا المساواة في شيء ما.
وما قيل : من أن المستفيد ليس له من المفيد غير الوجود ، وأما الوجوب فعارض وتابع للوجود ، فلا يوجب مقارنة وجود المستفيد لوجود مفيدة. فهو يشعر بعدم الإحاطة بمقصود الخصم من قوله : العالم واجب الوجود للواجب بذاته ، ومنشأ ذلك إنما هو اختلاف جهات حقيقة الوجوب مع اتحاد لفظ الوجوب ، فإن وجوب الوجود منه ما هو ثابت لذات الوجود ، وهو غير مراد فيما نحن فيه. ومنه ما هو مشروط بأمر خارج عن الذات ، ثم ذلك منه ما هو مشروط بنفس الوجود ، كقولنا : زيد واجب الوجود في حالة كونه موجودا. ومنه ما هو مشروط بما هو متعلق علة الوجود في العقل ، كما في قولنا بوجوب وجود المعلول بالنظر إلى علته ، ويكون معنى كون أنه واجب الوجود بالنظر إلى علته أنه لو فرض معدوما عند وجود علته لزم المحال.
ولا يخفى أن الوجوب بالاعتبار الأول تابع للوجود ، ولا يصح أن يقال بذلك الاعتبار : إنه وجب فوجب بل وجد فوجب ، وأما الوجوب بالاعتبار الثاني فإنه لا محالة متعلق علة الوجود ، فإنه يصح أن نقول ـ وإن قطعنا النظر عن الموجود ـ : إنه واجب الوجود بمعنى أنه يلزم من فرض عدمه لوجود علته