والممكن ما لا يعرض المحال لذاته لا من فرض وجوده ولا عدمه ، فإذا ليس الاشتراك بين الواجب والجائز في غير اسم الوجود والذات ، والاشتراك في الاسم مع اختلاف الحقيقة لا يوجب الأولوية ، لعدم ارتباط الإيجاد والإحداث بما وقع به الاشتراك من الاسم.
وما قيل من أن الجائزات بأسرها متماثلة ومتساوية بالنسبة إلى الموجود بالذات. فتوسع في الدعوى ، وذلك أن الخصم وإن سلم أن وجود الجائزات متساو بالنسبة إلى ذات الممكن ، بحيث لو اتصف بأي منهما كأن لم يكن ذلك لاختصاصه بمخصص من الذات القابلة له ، بل هي بالنسبة إليه وإلى غيره على السواء ، فليس يسلم تساويهما بالنسبة إلى المخصص ، لا سيما إن كان مقتضيا لذلك بالذات والطبع ، وذلك لأنه إذا كان المخصص مخصصا بالذات ، وكان له صلاحية تخصيص جميع الجائزات من الوجود والعدم من غير أولوية لأحدهما ، فهو إما أن يكون مخصصا لكل واحد منهما من جهة ما خصص الآخر بها ، فهو محال ؛ إذ المخصصات المختلفة مستحيل أن تستند في جانب مخصصها إلى شيء واحد من كل جهة. وإن كان ذلك باعتبار جهات فلا يكون الاقتضاء بالذات ، ولا يكون مستند سائر الممكنات إلى مجرد الذات قضية واحدة ، بل الذات لا تكون مقتضية إلا لشيء واحد إن اقتضت غيره فليس إلا باعتبار صفات زائدة عليها ، فإذا لفظ «الإيجاب بالذات» يلازمه نفي الاشتراك فيه والتساوي في نسبة الموجبات المختلفة إليه ، فالقول بوجوب التساوي إذ ذاك تناقض.
والذي يوضح مأخذ هذا المنع ما اشتهر من معتقد الخصم من أن نسبة إيجاد الباري ـ تعالى ـ لما أوجده بذاته كنسبة إيجاب حركة اليد لحركة الخاتم ، ولا يخفى أنه وإن كانت حركة الخاتم وسكونها بالنسبة إلى ذات الخاتم سيان ، فليس يلزم أن يكون سكون الخاتم وحركتها بالنسبة إلى حركة اليد سيان ، بل العقل يقضي باستحالة سكون الخاتم مع حركة اليد ، ووجوب حركتها عند حركة اليد.