وما نجده من التفرقة بين الحركة الاضطرارية والاختيارية فهو سبيلنا في إثبات الكسب على من أنكره من الجبرية ، وقال : إن القدرة الحادثة لا تعلق لها بالفعل أصلا. ولزوم التأثير من وقوع التفرقة هو محز الخلاف وموضع الانحراف ، بل التفرقة قد تحصل بمجرد تعلق القدرة بأحدهما دون الآخر ، وإن لم يكن لها تأثير في إيجاده. وذلك على نحو وقوع التفرقة بين ما تعلق به العلم وبين غيره ، وبين ما تعلقت به الإرادة وبين غيره. وإذ ذاك فلا يلزم أن يقال : إذا جاز تعلق القدرة الحادثة بالفعل من غير تأثير كما في العلم ونحوه ، جاز تعلقها بغيره من الحوادث كما في العلم ، فإن حاصله يرجع إلى دعوى مجردة في المعقولات ، ومحض استرسال في اليقينيات ، وهو غير مقبول.
وكون الوجود قضية واحدة مما لا يوجب تعلق القدرة به بطريق العموم ، وما هو اعتذارنا في تخصيص تعلق القدرة به من غير تأثير هو أن من موجب اعتقادهم أن الرؤية تتعلق بالموجود من غير تأثير ، ولا تتعلق بكل موجود. فما هو اعتذارهم تمّ هو اعتذارنا هاهنا أيضا.
وما اعتمده القاضي أبو بكر ـ رحمهالله ـ في منع تعليق القدرة بحدوث الفعل من حيث إن الوجود قضية عامة ، فإما أن يعترف بأن نفس الوجود هو نفس الموجود أو زائد عليه : فإن كان الأول فقد بطل القول بالتعميم ، وإن كان الثاني فهو لازم له في تعلقها بحدوث الصفة الزائدة أيضا ، اللهم إلا أن يجعل التعلق بحدوث الصفة من حيث هو مخصوص بها ، وعند ذلك فيجب قبول القول بأن تعلق القدرة الحادثة ليس إلا بحدوث مخصوص بفعل مخصوص ، ولا محيص عنه. ثم ولو قدر تعلق القدرة بزائد على نفس الفعل فلا يلزم أن يقال بتأثيرها فيه أيضا ، لما أسلفناه في نفس الفعل. وما اعتمد عليه بعض الأصحاب في إبطال قول القاضي في أن ما ثبت تعلق القدرة به مجهول غير معلوم فلست أراه مرضيا.
وما أشير إليه من امتناع وقوع التكليف ، وتعذر القول بالمجازاة على