قال القاضي أبو بكر من أصحابنا ـ رحمهالله ـ ولا جائز أن يكون التأثير في إيجاد الفعل ، وإلا لما وقع الفرق ، إذ الوجود من حيث هو وجود لا يختلف ، فيجب أن يكون راجعا إلى صفة زائدة على إحداث الفعل. لكنه قال تارة في الأمر الزائد : إنه مخلوق للرب وللعبد هربا من شنيع إفراد العبد بالخلق دون الرب ، وقال تارة بانفراد العبد به ، وهو ما بين شنيع القول بالانفراد والقول بمخلوق بين خالقين وسيأتي وجه الكلام عليه فيما بعد.
وربما تمسك الخصم بأن أفعال العباد لو كانت مخلوقة لغيرهم كان التكليف في نفسه باطلا ، فإن حاصله يرجع إلى المطالبة بفعل الغير ، والتكليف بالفعل لمن لا يفعله. وليس طلب ذلك منه إلا على نحو طلب إحداث الأجسام وأنواع الأكوان وهو محال. ولبطل أيضا معنى الثواب والعقاب على الأفعال ، والمجازاة على الأعمال ؛ من حيث إن الحكم بذلك للشخص بسبب فعل غيره حارف عن مذاق العقول ، وما ورد به الشرع المنقول. وهذه الشبهة هي التي أوقعت إمام الحرمين والأسفراييني ـ رحمهماالله فيما ذهبا إليه واعتمدا عليه.
والجواب :
أما وقوع الأفعال على حسب الدواعي والأغراض فذلك مما لا يدل على صلاحية القدرة الحادثة للإيجاد ، إذ الخلل لائح في خلاله والزلل واقع في أرجائه ، من حيث إن الأشياء منها ما يقع على حسب الدواعي ولا يضاف إلى القدرة الحادثة ، ولا يدل على صلاحيتها للإيجاد ، وذلك كما في حصول الري عند الشرب ، والشبع عند الأكل ، وحصول الألوان في صناعة الصبغ ونحو ذلك. ومنها ما لا يقع على حسب الداعية والغرض ، وذلك كما في أفعال النائم والغافل والساهي نحو ذلك ، ومع ذلك هي مضافة إلى القدرة الحادثة على أصلهم. وحيث لم يصح ما عولوا عليه طردا وعكسا لم يجز الاعتماد عليه أصلا.