يكن قادرا على مثلها وهو خلف ، وإذا ثبت أنه قادر على أفعال العباد فإذا حدثت وجب أن تكون مخلوقة له.
وهو قريب من المسلك الأول ، إذ الخصم قد يمنع كون الرب قادرا على مثل فعل العبد ، وإن سلم فإما أن يكون في محل قدرة العبد أو خارجا عن محل قدرته : فإن كان في محل قدرة العبد فهو محل النزاع وموضع المنع. وإن كان خارجا عن محل قدرة العبد فهو غير مقدور للعبد فإذا قيل بكون الرب قادرا على فعل العبد لكونه قادرا على مثله ، فيلزم أن يكون العبد قادرا على فعل الرب لكونه قادرا على مثله ، وهو محال. ثم ولو سلم أنه قادر على فعل العبد فلا يلزم يكون خالقا له ، لما أسلفناه.
وربما تمسك بعض الأصحاب هاهنا بظواهر الكتاب والسنة وأقوال بعض الأئمة ، ولا مطمع لها في القطعيات ، ولا معول عليها في اليقينيات ، فلذلك آثرنا الإعراض عنها ولم نشغل الزمان بإيرادها.
والصواب في هذا الباب :
أن يقال : لو لم يكن فعل العبد ، بل غيره من الموجودات الحادثة ، مقدورا للرب ، وداخلا تحت قدرته للزم أن يكون الباري تعالى ناقصا بالنسبة إلى من له القدرة عليه ، كما مضى في الإرادة ، وهو محال.
ولئن تشوفنا إلى بيان امتناع إضافة الخلق إلى فعل العبد قلنا : لم يخل إما أن يكون موجدا له بالذات ؛ أو بالإرادة : لا جائز أن يكون موجدا له بالذات ؛ وإلا لما برح فاعلا له ، وهو محال خلاف ما نشاهده ، ومع ذلك فهو خلاف المذهبين. ولا جائز أن يكون موجدا له بالإرادة وإلا لما وجد دونها ، فكم من فعل يصدر من العبد ، ويعتقد كونه مخلوقا له من غير إرادة ، وذلك كما في حالة الغفلة والذهول ونحوه ، والقول بكونه مريدا في مثل هذه الحالة عين السفسطة ؛ فإنه لو سئل هل أردت ما فعلت لم يكن الجواب إلا بلا. كيف وأن الفعل بالإرادة من العبد يستدعي القصد ، والقصد يستدعي مقصودا.