القول والفعال.
فإن قيل : لا محالة أن المعلول الأول واجب الوجود بالواجب بذاته ، وكل ما هو واجب بغيره فهو ممكن باعتبار ذاته ، من حيث إن ذاته لا جائز أن تكون واجبة ، وإلا لما كان واجبا بغيره ، ولا جائز أن تكون ممتنعة وإلا لما وجدت ولا بالغير ، فتعين أن يكون باعتبار ذاته ممكنا ، وهو لا محالة يعلم ذاته ويعلم مبدأه وهذه الجهات كلها ليست له عن غيره ، بل هي أمور لازمة تابعه لذاته ، ما عدا وجوب وجوده فإنه له عن مبدئه ، ومبدأ صدور الكثرة إنما هو عن هذه الجهات ، فإنه باعتبار أضافته إلى واجب موجب لوجوده يوجب عقلا ، وباعتبار صلته بمدته يوجب صورة ، وباعتبار كونه ممكنا يوجب مادة ، ترتيبا للأشرف على الأشرف والأخس على الأخس ، وهذه هي مبادئ صدور الكثرة ولو لاها لما كانت الكثرة.
قلنا : هذه العملية والجهالة قد تعظم نسبتها إلى الصبيان ، فضلا عن من ينسب إلى شيء من التحقيق ، والغوص والتدقيق ، وذلك لأن هذه الجهات إما أن توجب التعدد والكثرة في ذات المعلول الأول ، أولا توجب التعدد والكثرة كالأمور السلبية والإضافية : فإن أوجبت التعدد والكثرة فقد قيل بصدور الكثرة عن واجب الوجود. وإن قيل لا توجب التعدد والكثرة فلم لا قيل بصدور الكثرة عن واجب الوجود؟ فإن السلوب والإضافات له أكثر من أن تحصى. هذا من حيث الإجمال.
وأما التفصيل : فهو أن ما ذكروه من الجهات الموجبة للكثرة حاصلها يرجع إلى سلوب وإضافات ، فإن وجوبه بغيره وعلمه بمبدئه وبذاته أمور إضافية. وكونه ممكنا بذاته : إن فسرنا الممكن مما سلب عنه الضرورة في وجوده وعدمه كان أمرا سلبيا ، وإن فسر بما يفتقر إلى المرجح في كلا طرفيه كان أمرا إضافيا. وعند عودها إلى السلوب والإضافات فيلزم عنها ما ذكر في الإجمال.