حدوثها ، ومحل حدوثها ليس إلا ذاته ، فيجب أن يكون قاصدا لذاته ، والقصد إلى الشيء يستدعي كونه في الجهة ، وهو محال ، ثم ولجاز قيام كل حادث به ، وهو متعذر.
وهذا المسلك أيضا مما يلتحق بما مضى في الفساد ، وذلك أنه إن أريد بالقصد العلم ، فذلك مما لا يوجب كون المقصود في الجهة ، وإن أريد به غير هذا فهو مما لا يسلمه الخصم. ثم إنه إن افتقر القصد عند إيجاد الحوادث إلى كونها في جهة ، فيلزم أن يكون القاصد أيضا في جهة ، لضرورة أن القصد إلى الجهة ممن ليس في جهة أيضا محال ، وذلك يفضي إلى كون الباري ـ تعالى ـ في جهة عند خلق الأعراض الخارجة عن ذاته ، ولا محيص عنه ، فما به الاعتذار هاهنا يكون به الاعتذار للخصم ثمّ. والقول بأنه إذا قبل حادثا لزم قبوله لكل حادث لا يخفى ما فيه من التحكم ومجرد الاسترسال مما ليس بمقبول ولا معقول.
وقد ذكر في هذا الباب مسالك أخر فسادها أظهر من أن يخفى ، فلذا آثرنا الإعراض عن ذكرها.
فالرأي الحق ، والسبيل الصدق ، والأقرب إلى التحقيق أن يقال : لو جاز قيام الحوادث به لم يخل عند اتصافه بها. إما أن توجب له نقصا أو كمالا أو لا نقص ولا كمال : لا جائز أن يقال بكونها غير موجبة للكمال ولا النقصان ، فإن وجود الشيء بالنسبة إلى نفسه أشرف له من عدمه ، فما اتصف بوجود الشيء له وهو مما لا يوجب فوات الموصوف ولا فوات كمال له ، وبالجملة لا يوجب له نقصا ، فلا محالة أن اتصافه بوجود ذلك الوصف له أولى من اتصافه بعدمه ؛ لضرورة كون العدم في نفسه مشروفا بالنسبة إلى مقابله من الوجود ، والوجود أشرف منه ، وما اتصف بأشرف الأمرين من غير أن يوجب له في ذاته نقصا تكون نسبة الوجود فيما يرجع إلى النقص والكمال على نحو نسبة مقابله من العدم. ولا محالة أن كانت نسبته إلى