وهما حادثان ، لم يخل عن الحوادث ، وكذا الكلام في القول الحادث أيضا.
قلنا : الغلط إنما نشأ من الجهل بمدلول لفظ «الضد» ، وعند الكشف عنه يتبين الحق من الباطل ، الضدان في اصطلاح المتكلم : عبارة عما لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة ، وقد يكونان وجوديين كما في السواد والبياض ، وقد يكون أحدهما سلبا وعدما في الوجود والعدم ، فعلى هذا إن قيل : للإرادة ضد فليس ضدها إلا عدمها وسلبها ، وكذا في القول أيضا ، والعدم المحض لا يوصف بكونه قديما ولا حادثا ، ولا شاهدا ولا غائبا.
فإذا ليس كل ما هو ضد للحادث يكون حادثا. ثم ولو قدر أن ضد الإرادة والقول ليس إلا أمرا وجوديا فلا يلزم أن يكون حادثا ، بمعنى أن وجوده بعد العدم ؛ لكونه ضده حادثا ؛ بل جاز أن يكون قديما بمعنى أنه لا أول لوجوده ، لا بمعنى أن وجوده ليس بمعلول. ويكون منشأ وجوده نقضا لوجوده إلى عدمه ، وذلك المنشأ هو منشأ وجود ضده ، وهذا مما لا يتقاصر عن قول أهل الحق : إن منشأ عدم العالم في القدم إلى حين وجوده هو منشأ وجوده في وقت وجوده.
المسلك الثاني :
أنهم قالوا : لو قامت بذاته صفة حادثة ، لا تصف بها ، وتعدى إليه حكمها وذلك كالعلم ، فإنه إذا قام بمحل وجب اتصافه بكونه عالما ، وكذا في سائر الأعراض القائمة بمحالها ، وسواء كان المحل قديما أو حادثا ، إذ القول بالتفرقة بينهما محض جهالة ولبس فإنه لا فرق بين القديم والحادث فيما يرجع إلى كونه موصوفا قامت به صفة ، إلا فيما يرجع إلى الحدوث والقدم. وذلك مما لا أثر له. وإذا لزم عود حكم الصفة إليه بحيث يصح القول بكونه مريدا بإرادة وقائلا بقول فقد ثبت له ما لم يكن له أولا ، وذلك تغير وتبدل ، وإذا جاز عليه التغير استدعى مغيرا ، وذلك يفضي إلى كون الباري مفتقرا إلى غيره ، وهو متعذر.