والأعراض كيف تقوم الجواهر في وجودها وجنسها مفتقر إلى جنسها؟
قلنا : انقلاب هذا الإلزام مما لا يوجب على ما نعتقده مناقضة ولا إفحاما ، فأما لو سلكنا اعتقاد كونها داخلة في مدلول اسم الباري ، فهو نفس ما اعتقدناه وعين ما حققناه ، وسواء قلنا : إنها متعددة أو متحدة كما مضى. وإن سلكنا كونها خارجة عن مدلول اسمه وذاته فذلك أيضا مما لا يوجب محالا على أصلنا ، فإنا وإن قلنا إنها مفتقرة إليه ، على نحو افتقار الأعراض إلى ما تقوم به ، فلا نعتقد أن ذاته والمقوم لما قام بها جوهر حتى يلزمنا المحال ، لحكمنا بافتقار الجوهر في إيجاده إلى ما لا يتم وجوده إلا مفتقرا إلى ما هو من جنس الجوهر ، بل المعتقد أن ما قامت به هذه الصفات ليس من جنس ما هو مفتقر إليها ، وإذ ذاك فالإشكال مندفع عنا.
وإذا ثبت أنه ليس بجوهر لزم ألا يكون جسما ، فإنه مهما انتفى أعم الشيئين لزم انتفاء الأخص قطعا ، مع أن ما ذكرناه من المسالك في نفى الجوهرية ، وما يلزم عليها ووجوه الانفصال عنها ، يمكن إجراؤها بعينها هاهنا.
فإن قيل : ما نشاهده من الموجودات ليس إلا أجساما وأعراضا ، وإثبات قسم ثالث مما لا نعقله ، وإذا كانت الموجودات منحصرة فيما ذكرناه فلا جائز أن يكون الباري عرضا ، لأن العرض مفتقر إلى الجسم ، والباري لا يفتقر إلى شيء ، وإلا كان المفتقر إليه أشرف منه وهو محال ، وإذا بطل أن يكون عرضا بقي أن يكون جسما.
قلنا : منشأ الخبط هاهنا إنما هو من الوهم ، بإعطاء الغائب حكم الشاهد ، والحكم على غير المحسوس بما حكم به على المحسوس ، وهو كاذب غير صادق ، فإن الوهم قد يرتمي إلى أنه لا جسم إلا في مكان ، بناء على الشاهد ، وإن شهد العقل بأن العالم لا في مكان ، لكون البرهان قد دل على نهايته ، بل وقد يشتد وهم بعض الناس بحيث يقضي به على العقل ، وذلك كمن ينفر عن المبيت في بيت فيه ميت ، لتوهمه أنه يتحرك أو يقوم وإن كان عقله يقضي