لو كان جوهرا لم يخل : إما أن يكون واجبا بذاته أو ممكنا أو ممتنعا ، لا جائز أن يكون ممتنعا وإلا لما وجد. ولا جائز أن يكون ممكنا وإلا لافتقر إلى مرجح خارج عن ذاته وهو ممتنع كما سلف. ولا جائز أن يكون واجبا لذاته وإلا لكان كل جوهر واجبا لذاته ، إذ حقيقة الجوهر من حيث هو جوهر لا تختلف ، وهذه المحالات إنما لزمت من فرض كون الباري تعالى جوهرا ، فليس بجوهر ، فإن «ما ليس» لا يلزم من فرضه محال.
فإن قيل : المعني بكونه جوهرا ليس إلا أن وجوده لا في موضوع ، وهذا القدر إما أن يكون ممنوعا أو مسلما ، فإن كان ممنوعا فقد أوجبتم افتقار واجب الوجود إلى غيره وهو ممتنع ، وإن كان مسلما فهو المقصود. وأما قولكم : إنه لو كان واجبا لكان كل جوهر واجبا ، للزوم الاشتراك في حقيقة الجوهرية ، فإنما يلزم أن لو لزم الاشتراك في حقيقة الجوهرية ، وما المانع من أن يكون جوهرا لا كالجواهر ، كما أنه ذات لا كالذوات؟ ثم وإن سلم أن الاشتراك في حقيقة الجوهرية واقع فيلزمكم مثله في سائر الموجودات ، لمشاركتها له في الوجود والذات. فإن قلتم : لم يكن واجبا من حيث هو موجود ولا من حيث هو ذات ، بل من حيث هو ذات مخصوصة ووجود مخصوص ، فاقبلوا منا مثله هاهنا ، وهو أنه لم يكن واجبا من حيث هو جوهر مطلقا ، بل من جهة كونه جوهرا مخصوصا.
والجواب : أن ما قيل من أن الباري جوهر يعني أن وجوده لا في موضوع ، فإن أريد بمدلول اسم الجوهر سلب الموضوع عنه فقط ، فذلك مما لا سبيل إلى إنكاره من جهة المعنى ، وإن كان إطلاقه من جهة الشرع والوضع خطأ ، وإنما محز الأشكال وموضع الخيال دعوى تخصيص سلب الموضوع بحقيقة الجوهر ، وجعل الباري ـ تعالى ـ جوهرا على النحو الموسوم من إطلاق لفظ الجوهر ، ولا محالة أن دعوى ذلك مما يقود إلى الإلزام الذي ذكرناه ويسوق إلى المحال الذي أسلفناه.