ذلك فالعقل يجوز
أن يخلق الله ـ تعالى ـ في الحاسة المبصرة ، بل وفي غيرها ، زيادة كشف بذاته
وبصفاته على ما حصل منه بالعلم القائم في النفس ، من غير أن يوجب حدوثا ولا نقصا ،
وذلك هو الذي سماه أهل الحق إدراكا.
فالمنازعة إذا بعد
تحقيق هذا المعنى وإيضاحه إما أن تستند إلى فساد في المزاج ، أو إلى محض الجحد
والعناد.
وعلى هذا نقول :
يجوز أن يتعلق الإدراك بالإدراك والطعوم والأراييح والعلوم والقدر والإرادات وغير
ذلك مما لا تتعلق به الإدراكات في مجاري العادات. وبما حققناه يندفع ما يهول به
الخصوم ، ويعتمدون عليه ويستندون في الإلزام إليه ، وهو قولهم : إن الرؤية تستدعي
المقابلة ، والمقابلة تستدعى الجهة ، والجهة توجب كونه جوهرا أو عرضا ، فإنهم لم
يبنوا ذلك إلا على فاسد أصولهم في أن الإدراك بالبصر لا يكون إلا بانبعاث الأشعة
من العين ، واتصالها بالمبصر ، أو انطباع المبصر في البصر بسبب المقابلة وتوسط
المشف ، وذلك كله قد أبطلناه ، وبينا أنه ليس الإدراك إلا نوعا من العلوم يخلقه
الله تعالى في البصر وذلك لا يوجب في تعلقه بالمدرك مقابلة ولا جهة أصلا ، كيف وأن
هذا لا يسوغ من المعترف من الخصوم بكون الباري تعالى يرى نفسه وغيره وإلا كان
الباري تعالى في جهة ، ولكان الإلزام عليه منعكسا.
ومن الأصحاب من
أورد في دفع ذلك رؤية الإنسان نفسه في المرآة وإن لم يكن في مقابلة نفسه ، لكن فيه
نظر ، وهو مما لا يكاد يقوى ، وللخصوم على
ما ذكرناه خيالان :
الخيال
الأول
:
أنهم قالوا : ما
ذكرتموه في إدراك البصر إما تعممونه بكل الإدراكات أو
__________________