لا سبيل إلى القول بتعلق الإدراك بها ، فبقي أن يكون المصحح للإدراك إنما هو الوجود فقط ، وواجب الوجود موجود ، فوجب القول بجواز تعلق الإدراك به.
وهذا الإسهاب أيضا مما لا يشفي غليلا ، إذ القول بأن الرؤية لا بدّ لها من مصحح ، إما أن يراد به الفاعل أو القابل أو الغاية منه ، فلا معنى لحصره فيما اختلفت فيه القوابل واتفقت ، بل جاز أن يكون الفاعل أمرا خارجا ، وسواء كان تأثيره وفعله بالطبع أو الإرادة ، وعند ذلك فلا بد من أن يتبين تحقق مثله في جانب تعلق الرؤية بواجب الوجود حتى يصح ، كيف وأنه لا يصح ذلك بمجرد تحقق الفاعل مع تعذر القابل ولهذا قالت الخصوم من الإلهيين : إن العقل لنفوس العالم علة فاعلية ، والمعلول متوقف على اعتدال المادة وتهيئها لقبوله ، فلا بد مع الاشتراك في الفاعل من تحقق وجود القابل لا محالة ، ثم ولو قدر انحصار الفاعل فيما وقع به الاختلاف والاتفاق في القوابل ، فلا يمتنع أن يكون ما وقع به الافتراق له مدخل في التأثير ، والقول بأن الحكم الواحد العقلي لا يكون له علتان ، ولا يكون أعم من علته ، فيلزم عليه تعلق العلم بمتعلقاته ، فإنها مختلفة من الواجب والجائز والمستحيل ، ولا محالة أنا لا نجد معنى واحدا وقضية متحدة يقع بها الاشتراك بين هذه الأقسام الثلاثة. فإن كان لا بدّ وأن يكون الفاعل ما وقع به الاتفاق والافتراق بين القوابل ، فيلزم أن يكون الفاعل هاهنا مختلفا ، والمعلول متحدا ، لضرورة عدم الاشتراك في معنى واحد كما بيناه.
ثم إن المعلول إنما يكون أعم من العلة عند القول بتعددها أن لو كان المعلول في نفسه واحدا لا تكثر فيه ، أما إذا كان متعددا بتعدد محاله ومتعلقاته فلا ، إذ لا مانع من أن يكون كل واحد من العلتين المختلفتين يؤثر في أحد المعلولين دون الآخر ، ولا يترتب معلول كل واحد على العلة الأخرى ، كيف وأن هذا القائل ممن يجوز صدور المختلفات عن الواحد ، فما بال الواحد مما يمتنع صدوره عن المختلفات؟ وما الذي يمكن أن يتخيل فارقا بين الصورتين