تعلق الأعم به على حياله ، فحاصله إنما هو راجع إلى مناقضة الخصم في مذهبه ، وهو غير كاف فيما يرجع إلى الاستقلال بتحصيل المطلوب ، لضرورة تخطئة الخصم فيما وقع مستندا له ، وهو من خصائص مذهبه. ولهذا لو اعترف بخطئه فيما ذهب إليه لم يك ما قيل مثمرا للمطلوب ولا لازما عليه ، كيف وأن ذلك وإن كان مناقضا لبعض الخصوم كالجبائي ومن تابعه ، لضرورة منعه من تعلق العلم بما وقع به الاتفاق والافتراق على حياله ، فهو غير لازم في حق غيره ، اللهم إلا أن يكون قائلا بمقالته ، وذلك مما لا سبيل إلى دعوى عمومه.
وإن كان من القائلين بنفي الأحوال ، فما وقع به الاختلاف بين الذوات حينئذ لا مانع من أن يكون من جملة المصحح للرؤية ، لكونه ذاتا ؛ وإذ ذاك فلا يلزم منه جواز تعلق الرؤية بواجب الوجود إلا أن يبين أن ما كان مصححا في باقي الذوات متحقق في حق واجب الوجود ، وهو متعذر.
ولما تخيل بعض الأصحاب زيغ هذه الطريقة عن الصواب انتهج منهجا آخر فقال :
إن الجواهر والأعراض متعلق الرؤية ، ولا محالة أن بينهما اتفاقا وافتراقا فمتعلق الرؤية ومصححها إما ما به وقع الاتفاق أو الافتراق ، أو هما معا : لا جائز أن يكون المصحح ما به الاتفاق والافتراق معا أو الافتراق فقط ؛ إذ المصحح يكون في الجملة مختلفا ، والحكم الواحد في المعقولات يستحيل أن تكون له علل مختلفة أو أن يكون المعلول أعم منه. فبقي أن يكون المصحح ما به الاتفاق فقط ، وما تخيل الاشتراك فيه بين الجواهر والأعراض ليس إلا الوجود والحدوث لا غير ، والحدوث لا يصلح أن يكون هو المصحح لتعلق الإدراك بالشيء ، فإنه قد يدرك لا في حالة حدوثه ، كيف وأن بعض الجواهر وبعض الأعراض حادثة عند الخصم ولا يتعلق بها الإدراك؟ فيمتنع أن يكون هو المصحح ، ثم إن معنى الحدوث ليس إلا كون الشيء موجودا بعد العدم أي لم يكن فكان ، أو أنه ما لا يتم وجوده بنفسه ، وكل هذه سلوب وأعدام