من كون الحركة والسكون ممكنين ، وتعلق الإرادة منهما حالة الانفراد ، أن تتعلق بهما حالة الاجتماع ، ووزانه ما لو قدرنا إرادة الحركة والسكون من أحدهما معا فإنه غير متصور ، ولو جاز تعلقها بكل واحد منهما منفردا ، وليس هذا إحالة لما كان جائزا في نفسه ، فإن ما كان جائزا هو إرادته منفردا. والمحال إرادته في حال كونه مجامعا. وبهذا يندفع قول القائل : إن ما جاز تعلق الإرادة به حال الانفراد جاز تعلقها به حالة الاجتماع ؛ إذ الاجتماع لا يصير الجائز محالا. وهذا الكلام بعينه في الإرادة هو أيضا لازم في صفة القدرة ، وأما القول بأن عجز أحدهما يستدعي عجزا قديما ومعجوزا عنه فيلزم مثله في القدرة ، فإن القادر قادر بقدرة قديمة ، فإن استدعى العجز قدم المعجوز عنه ، وجب أن تستدعي القدرة قدم المقدور.
فإن قيل : القدرة ليس معناها غير التهيؤ والاستعداد للإيجاد والإحداث ، وذلك لا يستدعي قدم المقدور ، قيل : والعجز لا معنى له إلا عدم القدرة على الإحداث وذلك أيضا لا يوجب قدم شيء ما ، لا بل أولى. فإن وجود القدرة إذا لم يستدع مقدورا فعدمه بعدم الاستدعاء أولى.
المسلك الثاني : هو أنهم قالوا : الطريق الموصل إلى معرفة الباري ـ تعالى ـ ليس إلا وجود الحادثات ؛ لضرورة افتقارها إلى مرجع ينتهي الأمر عنده ، وهي لا تدل على أكثر من واحد.
وهو أيضا مما لا يقوى ، فإن حاصله يرجع إلى نفي الدليل الدال على وجود الاثنين ، ولا بدّ فيه من الاستناد إلى البحث والتفتيش ، وذلك غير يقيني على ما لا يخفى. ثم ولو قدر انتفاء كل دليل فذلك مما لا يكفي من رام نفي المدلول ؛ لجواز وجوده في نفسه وانتفاء دليله.
فالصواب في هذا الباب :
أن يقال : لو قدرنا وجود الإلهين لم يخل : إما أن يشتركا من كل وجه ، أو يختلفا من كل وجه ، أو يشتركا من وجه دون وجه : فإن كان الأول فلا