وبيان استحالة القول باجتماع الإلهين ، لكل واحد من صفات الإلهية ما لصاحبه.
وقد سلك الفلاسفة طريقا في التوحيد ، حاصله يرجع إلى امتناع وقوع الشركة في نوع واجب الوجود ، واستحالة وجود واجبين ، وقد أشرنا إليها في مبدأ قانون الصفات ، وإلى ما يرد عليها من الاعتراضات ، فلا حاجة إلى ذكرها ثانيا.
وأما المتكلمون فقد سلك عامتهم في الإثبات مسلكين ضعيفين :
المسلك الأول : أنهم قالوا : لو قدرنا وجود الإلهين ، وقدرنا أن أحدهما أراد تحريك جرم ما والآخر أراد تسكينه ، فإما أن تنفذ إرادة كل واحد منهما ، أو لا تنفذ ولا لواحد منهما ، أو لأحدهما دون الآخر : فإن نفذت إرادتها أفضى ذلك إلى اجتماع الحركة والسكون في شيء واحد في حالة واحدة ، وذلك محال. وإن لم تنفذ إرادتهما أفضى إلى عجز كل واحد منهما وإلى أن يكون الجرم الواحد يخلو من الحركة والسكون معا وهو محال أيضا. وإن نفذت إرادة أحدهما دون الآخر أفضى إلى تعجيز أحدهما ، ولو عجز أحدهما لكان عاجزا بعجز قديم ، والعجز لا يكون إلا عن معجوز عنه ، وذلك يفضي إلى قدم المعجوز عنه وهو ممتنع.
لكن منشأ الخبط ومحز الغلط ، في هذا المسلك ، إنما هو في القول بتصور اجتماع إرادتيهما للحركة والسكون وليس ذلك مما يسلمه الخصوم ، ولا يلزم
__________________
ـ وإذا تعلق علمه بأن يكون غيره هو المرجح كان محالا أن يكون هو المرجح فإن خلاف المعلوم محال الوقوع وكذلك إرادته تكون تمنيا وتشهيا من غيره حتى تخصص لا قصدا وترجيحا وتخصيصا من ذاته فقد تطرق النقص إلى كل صفة من صفاته بل كان مفتقرا في جميع ذلك إلى غيره والفقر ينافي الإلهية وهذه الطريقة تعضد بيان طريقة الاستغناء وهي أحسن ما ذكر في هذه المسألة. انظر نهاية الأقدام (ص ٧٨) بتحقيقنا.