ما ذكروه من أقسام الكلام ، وهي الخبر والاستخبار والأمر والنهي والوعد والوعيد ؛ أمكن أن ترد إلى قسمين ؛ وهما الطلب والخبر ؛ فإن الوعيد والوعد داخلان في الخبر ، لكن تعلق بأحدهما ثواب فسمي وعدا ، وتعلق بالآخر عقاب فسمي وعيدا. وأما الأمر والنهي فداخلان تحت الطلب والاقتضاء ، لكن إن تعلق بالفعل سمي أمرا ، وإن تعلق بالترك سمي نهيا. وأما الاستخبار ـ على الحقيقة ـ فغير متصور في حق الله تعالى بل حاصله يرجع إلى التقرير وهو نوع من الإخبار ، وذلك كما في قوله ـ تعالى ـ (ألست بربكم قالوا بلى). وكما أمكن رد هذه الأقسام إلى قسمين ، أمكن ردها إلى قسم واحد ، في حق الله ـ تعالى ـ ، حتى يكون على ما (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ذكرناه ، بأن يكون معنى واحدا وقضية متحدة ، وإن تعلق بما حكم بفعله أو تركه سمي طلبا ، وإن تعلق بغيره سمي خبرا.
فإذا المتعلقات متعددة ، والمتعلق في نفسه واحد لا تعدد فيه. وهذا كله إنما هو في متصور البقاء والديمومة ، كما في كلام الله ـ تعالى ـ. وإلا فالكلام في الشاهد ـ أعني كلام اللسان والنطق النفساني ـ ليس كذلك ؛ إذ هو من قبيل الأعراض المتجددة والأغراض المتغيرة ، وذلك مما ينافي القول باتحاده ونفي أعداده.
فإن قيل : إذا قلتم بأن الكلام في نفسه قضية واحدة ، وأن اختلاف التعبيرات عنه إنما هو بسبب المتعلقات الخارجة ، فلم لا جوزتم أن تكون الإرادة والعلم والقدرة وباقي الصفات راجعة إلي معنى واحد ، ويكون اختلاف التعبيرات عنه بسبب اختلاف متعلقاته لا بسبب اختلافه في ذاته ، وذلك بأن يسمى إرادة عند تعلقه بالتخصيص في الزمان. وقدرة عند تعلقه بالتخصيص في الوجود. وهكذا سائر الصفات؟ وإن كان ذلك فلم لا يجوز أن يعود ذلك كله إلى نفس الذات ، من غير احتياج إلى الصفات؟
قلنا : تمويه هذا الإشكال ، والتهويل بهذا الخيال هو ما أوقع جماعة من