أن ما وقع به الاختلاف أو التضاد بين الأمر والنهي وغيره من أخص صفات الكلام ، بل كل ذلك خارج عنه.
وعلى هذا نقول : لو قطع النظر عن المتعلقات الخارجة ، ورفعت عن الوهم ، فإنه لا سبيل إلى القول بهذه العبارات والتعبيرات أصلا ، ولا يلزم من ذلك رفع فهم الكلام وأن تزول حقيقته عن الوجود أيضا.
وقولهم : كيف يجوز أن يكون المخبر عنه متعددا مختلفا والخبر عنه واحدا؟ أم كيف يكون المأمور به مختلفا والأمر به واحدا؟ وكيف تكون حقيقة واحدة هي أمر ونهي وخبر مع أن هذه الأمور مختلفة؟
قلنا : هل هذا إلا محض استبعاد ، وخروج عن سبيل الرشاد؟ فإنه إذا عرف أن اختلاف العبارات والتعبيرات ، قد يكون باعتبار اختلاف التعلقات ، والنسب إلى الأمور الخارجة ، والإطلاقات ، لم يمتنع أن يكون المتعلق له حقيقة واحد ، ووجود واحد ، وله متعلقات مختلفة ، ويعبر عنه ، بسبب تعلقه بكل واحد منها ، بعبارة مخصوصة ولقب مخصوص ، وإن كان هو في نفسه واحدا. وذلك على نحو ما ذكره الفيلسوف في المبدأ الأول ، وعلى نحو ما ينعكس على الأرض من الألوان المختلفة من زجاجات مختلفة الألوان بسبب شروق الشمس عليها ومقابلتها لها ؛ فإن التأثيرات مختلفة بسبب المتعلقات لا غير ، وإن كان المتعلق في نفسه واحدا. وقد يعبر عنها ، بسبب هذا التعلق واختلاف المتعلقات والتأثيرات ، بأسماء مختلفة حتى يقال : إنها مسودة ومصفرة وغير ذلك ، وإن كانت الشمس في نفسها واحدة. فكذلك ينبغي أن يفهم مثله في الكلام فإن اختلاف هذه التعبيرات عنه ليس لتعدد في نفسه ، بل لتعدد المتعلقات واختلاف الإضافات ، وذلك ليس محالا ، نعم لو عبر عنه بالنهي من جهة ما عبر عنه بالأمر ، ومن جهة ما عبر عنه بالخبر ، أو بالعكس كان ذلك متناقضا.
ومن حقق ما مهدناه زال عنه الخيال واندفع عنه الإشكال. كيف وأن