فإن قيل : عاقل ما لا تماري نفسه في انقسام الكلام إلى أمر ونهي وغيره ، وأن ما انقسم إليه حقائق مختلفة. وأمور متنافرة متمايزة. وأنها من أخص أوصاف الكلام ، لا أن الاختلاف راجع إلى نفس العبارات ، والاعتبارات الخارجة ، فإنا لو قطعنا النظر عن الاعتبارات الخارجة ، والمتعلقات ، ورفعناها وهما ، لم يخرج عن كونه منقسما. ومع هذا التحقيق كيف يسوغ القول بالاتحاد؟ ثم إن ما أخبر عنه من القصص الماضية والأمور السالفة مختلفة متمايزة ، فإن ما جرى لكل نبي من الأنبياء غير ما جري لغيره من الأنبياء. وكذلك المأمورات والمنهيات المكلف بها مختلفة متغايرة ، فكيف يكون نفس الخبر عما جرى لآدم وإبراهيم هو نفس الخبر عما جرى لموسى أو عيسى؟ أم كيف يكون نفس الأمر بالحج هو نفس الأمر بالصلاة؟ وأن ما توجه لزيد هو نفس ما توجه لعمرو؟ وكيف هذا التداخل؟ أم كيف يجعل الخبر أو ما سمي خبرا هو عين الأمر ، أو ما سمي أمرا هو عين ما سمي خبرا؟ مع أن الأمر هو الطلب والاقتضاء ، والخبر لا يشتمل على شيء من ذلك. وما اشتمل عليه الخبر فالأمر أيضا غير مشتمل عليه. فهل هذا إلا محض تحكم غير معقول؟! وما ليس بمعقول لا سبيل إلى إثباته. فلم يبق إلا أنه أنواع متمايزة الخواص مختلفة الذوات ، مشتركة في الجملة والكلام كالجنس لها.
والتمثيل بالمبدإ الأول مما لا إليه سبيل ؛ فإن اتحاد الذات مع اختلاف أسمائها باعتبار أمور إضافية أو سلبية ، مما لا امتناع فيه. أما إثبات صفات متضادة ، وخواص متنافرة ، وأقسام متعددة ، لذات واحدة لا تعدد فيها ولا تغاير ، فمن أمحل المحالات ، وأشنع المقالات ، ولا سبيل إليه.
قلنا : قد بينا ، فيما سلف ، أن الكلام قضية واحدة ، ومعلوم واحد قائم بالنفس ، وأن اختلاف العبارات والتعبيرات عنه ، إنما هو بسبب اختلاف المتعلقات والنسب والإضافات. كما حققناه. فما يقع به التضاد أو الاختلاف أو التعدد فليس إلا في المتعلقات والتعلقات لا في نفس المتعلق ، ولا