ما سلف ، فبقي أن تكون متعددة لا محالة. وسواء كان تعددها تعدد الأشخاص أو الأجناس ، فإن ذلك يوجب نقض ما ذكرتموه وإبطال ما سلكتموه. ولربما استندوا في بيان التعدد إلى ما أوردوه في نفي الكلام عن الذات من الإجماعات والظواهر من السنن والآيات ، الدالة على كون القرآن مؤلفا من حروف وأصوات ، وأنه مرتب من سور وآيات ، ومجموع من كلمات.
والجواب أنا نقول : تعدد أقسام الكلام واختلاف أسمائه من الأمر والنهي وغير ذلك ليس هو له باعتبار تعدد في نفسه ، أو اختلاف صفات في ذاته أو لذاته ، بل هو النظر إلى نفسه ـ من حيث هو كلام ـ واحد. ليس له إلا باعتبار إضافات متعددة وتعلقات متكاثرة لا توجب للمتعلق في ذاته صفة زائدة ، ولا تعددا ، كما أسلفناه في الطرف الأول من التحقيق.
وهو على نحو قول الفيلسوف في «المبدئ الأول» حيث قضى بوحدته وإن تكثرت أسماؤه ؛ بسبب سلوب وإضافات وأمور لا توجب صفات زائدة على الذات. هذا كله إن سلكنا في التكثر مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري. وإلا إن سلكنا مذهب عبد الله بن سعيد في أن الأمر والنهي وغير ذلك لا يكون إلا عند تحقق المتعلقات ، وأن الكلام خارج عنها. أو ما نقل عن بعض الأصحاب من أنه أثبت لله ـ تعالى ـ من الكلام خمس كلمات هي خمس صفات ، وهي الأمر والنهي والخبر والاستخبار والنداء ، فالإشكال يكون مندفعا.
وعلى ما ذكرناه من التحقيق يتبين أن من قال من الأصحاب القائلين بنفي التكثر : إن الأوامر والنواهي وغيرها صفات خارجة عن الكلام ، ولم يرد به ما أشرنا إليه ، فقد أخطأ.
وأما ما اعتمدوه من الظواهر الظنية والأدلة السمعية فقد سبق وجه الانفصال عنها فلا حاجة إلى التطويل بإعادته.