الفريقين ويعبر عن حال الجمعين : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) [البقرة : ١١٣].
نعم لو قيل : إن كلامه بحروف وأصوات لا كحروفنا وأصواتنا ، كما أن ذاته وصفاته ليست كذاتنا وصفاتنا ، كما قال بعض السلف. فالحق أن ذلك غير مستبعد عقلا ، لكنه مما لم يدل الدليل القاطع على إثباته من جهة المعقول ، أو من جهة المنقول ، فالقول به تحكم غير مقبول.
وعند ظهور الحقائق وانكشاف الدقائق فلا مبالاة بتلويق المتحذلق المتعمق الذي لا تحصيل لديه ، ولا معول في تحقيق الحقائق عليه ، إذ هو في حيز الجهال ، وداخل في زمرة أهل الضلال.
وإذا ثبتت الصفة الكلامية فهي متحدة لا كثرة فيها. وما أشرنا إليه في إثبات وحدة الإرادة والعلم من المزيف والمختار ، والاعتراض والانفصال ، فهو بعينه يتجه هاهنا. لكن ربما زاد الخصم هاهنا تشكيكا وخيالا ، وهو قوله : ما ذكرتموه وإن دل على عدم لزوم صفات خارجة ، فالقول بإثبات أصل الكلام مفض إليها أيضا ، وذلك أن من ضرورة وجود حقيقة الكلام أن يكون أمرا ونهيا وخبرا ونحوه من أقسام الكلام ، وإلا فمع قطع النظر عن هذه الأقسام لا سبيل إلى تعلق وجود الكلام. وإذا كان الأمر على هذه المثابة ، فلا محالة أن هذه الأقسام مختلفة الصفات ، متباينة في الخواص والمميزات ، وعند هذا فإما أن تكون هذه الخواص المتمايزة والصفات المختلفة داخلة في حقيقة الكلام أو خارجة عنه : فإن كانت داخلة فيه فهو محال ، وإلا كانت الحقيقة الواحدة لها ذاتيات مختلفة متنافرة ، إذ خاصة الأمر بتعذر القول بمجامعتها لخاصة النهي ، وكذا في سائر خواص أقسامه. وإن كانت خارجة عن حقيقة الكلام فقد لزم القول بثبوت صفات زائدة على ما دل عليه الدليل ، ولزمكم المحذور.
ثم إن هذه الصفات الزائدة لا جائز أن تكون لحقيقة واحدة ، لا تعدد فيها ، على نحو ثبوت الضحك والبكاء للإنسان ، لكونها متنافرة متعاندة ، على