بواسطة أو بغير واسطة ، والسماع بهذا الاعتبار لا يستدعي صوتا ولا حرفا.
وما يطلق عليه من الحروف والأصوات أنه كلام الله تعالى ، فليس معناه إلا أنه دال على ما في نفسه ، وذلك كما يقال : نادى الأمير في البلد ، وإن كان المنادي غيره. ويقال لمن أنشد شعر الحطيئة إنه متكلم بكلام الحطيئة وشعره. ومن ذلك سمي الوحي كلاما لله تعالى ، حتى يقال : تكلم الله بالوحي ، والوحي كلامه. ولا ننكر أن القرآن القديم مكتوب ومحفوظ ومسموع ، ومتلو. لكن ليس معنى كونه مكتوبا أو محفوظا أنه حال في المصاحف أو الصدور ، بل معناه أنه قد حصل فيها ما هو دال عليه ، وهو مفهوم منه ومعلوم.
وليس معنى كونه منزلا أنه متنقل من مكان إلى مكان ، فإن ذلك غير متصور على كلا المذهبين. بل معناه أن ما فهمه جبريل من كلام الله تعالى ، فوق سبع سماوات عند سدرة المنتهى ، ينزل بتفهيمه للأنبياء إلى بسيط الغبراء. وكذلك ليس معنى كونه مسموعا إلا ما ذكرناه فيما مضى. ومن حقق ما مهدناه وأحاط بما قررناه هان عليه التفصي عن كل ما أوردوه من الظواهر الظنية واعتمدوا من الآثار النبوية.
ولعل معتمد المعطلة في إثبات الحروف والأصوات هو ما قاد الحشوية ـ لعدم فهمهم كلام النفس ـ إلى إثباتها صفة للذات ، فإنه لما لم يسعهم القول بالتعطيل ، ولم يقدروا على التأويل ، لهذا التهويل ، جمعوا بين الطريقتين ، وانتحلوا مذهبا ثالثا بين المذهبين ، ولم يعلموا ما في طي ذلك من السفاهة ، وفى ضمنه من الفهاهة ، لما فيه من الهرب إلى التجسيم ، خوف الوقوع في التعطيل ، إذ الحروف والأصوات إنما تتصور بمخارج وأدوات ، وتزاحم أجرام واصطكاكات ، وذلك في حق الباري محال كما سلف.
فانظر إلى هاتين الطائفتين كيف التزم بعضهم التعطيل خوف التجسيم ، والتزم بعضهم التجسيم خوف التعطيل ، ولسان الحال ينشد على لسان