المراد به فعله من الثواب والعقاب ونحوه ، فإن الأمر قد يطلق بإزاء الفعل كما قال تعالى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) [القمر : ٥٠] أي فعلنا ، وقوله (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ) [هود : ٩٧] يعنى فعله.
والمراد بقوله (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزخرف : ٣] أي سميناه ؛ فإن الجعل قد يطلق بمعنى التسمية ، ومنه قوله تعالى : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحجر : ٩١] أي سموه كذبا ، وقوله (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] سموهم بذلك. كيف وأنه يحتمل أنه أراد به القرآن بمعنى القراءة كما بيناه وذلك لا يقدح في المقصود. ثم إن هذه الآيات معارضة بمثلها وهو قوله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : ٥٤] فقد أثبت له خلقا وأمرا فلو كان الأمر مخلوقا لكان معنى الكلام ألا له الخلق والخلق. وأيضا قوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] فلو كان الأمر مخلوقا لاستدعى ذلك سابقة أمر آخر. وذلك يقضي إلى التسلسل وهو محال. وبما قررناه يندفع قولهم أيضا : إن الأمة من السلف مجمعة على أن القرآن مؤلف من الحروف والأصوات ، فإن الإجماع إنما انعقد علي ذلك بمعنى القراءة ، لا بمعنى المقروء وإليه الإشارة بقوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة : ١٧].
وقولهم : لو لم يكن كذلك لما سمعه موسى ، قلنا الدليل إنما لزم المعطل هاهنا ، من حيث إنه لم يفهم معنى السماع ، وإنه بأي اعتبار يسمى سماعا. وعند تحقيقه يندفع الإشكال ، فنقول : السماع قد يطلق ويراد به الإدراك ، كما في الإدراك بحاسة الأذن. وقد يطلق ويراد به الانقياد والطاعة. وقد يطلق بمعنى الفهم والإحاطة ، ومنه ويقال : سمعت فلانا. وإن كان ذلك مبلغا على لسان غيره ، ولا يكون المراد به غير الفهم لما هو قائم بنفسه ، والذي هو مدلول عبارة ذلك المبلغ. وإذا عرف ذلك فمن الجائز أن يكون قد سمع موسى كلام الله تعالى القديم ، بمعنى أنه خلق له فهمه ، والإحاطة به ، إما