الأزمان المتعاقبة ، والأحوال المختلفة ، وحقق ما قررناه في مسألتي العلم والإرادة ، وجد الأمر على ما ذكرناه ولم يخف عليه ما مهدناه.
ولقد استروح بعض الأصحاب في تقرير هذا الكلام إلى طريق أو رده في معرض المناقضة والإلزام فقال كيف يصح استبعاد تعلق الأمر بمأمور معدوم ، وعندكم أنه لا يتناول المأمور به إلا قبل حدوثه ، ومهما وجد خرج عن أن يكون مأمورا به ، وهو أحد متعلقي الأمر؟ فإذا لم يبعد تعلق الأمر بالفعل المعدوم لم يبعد تعلقه بالفاعل المعدوم. وأيضا فإن الأمة مجمعة على أننا في وقتنا هذا مأمورون وعندكم لا أمر ، إذ الأمر قد تقضى ومضى فإذا لم يبعد وجود موجود ولا أمر فلا يبعد وجود أمر بلا مأمور ، ولو لزم من وجود الأمر وجود المأمور ، للزم من وجود القدرة وجود المقدور ، وذلك يفضي إلى قدم المقدور إذ قد سلم قدم القدرة ، وذلك محال على كلا المذهبين.
وهذا مما فيه نظر ، وذلك أن الأمر والنهى ، بالنسبة إلى المأمور والمنهي ، عند الخصم تكليف ، والتكليف يستدعي مكلفا به ، والمكلف به يجب أن يكون معلوما مفهوما ليصح قصده ، من أجل الإتيان به والانتهاء عنه ، إذ هو مقصود التكليف. فإذا الفهم شرط في التكليف ، ولهذا خرج من لا فهم له عن أن يكون داخلا في التكليف. كما في الجمادات ، وأنواع الحيوانات والصبيان ، والمجانين ، ونحو ذلك ، لعدم شرط التكليف في حقهم. وإذ ذاك فلا يلزم من تعلق الأمر بالمأمور به مع عدم الفهم تعلقه بالمأمور مع عدم اشتراك الفهم ، فإن تعلقه بالمأمور به ليس تعلق تكليف ولا كذلك تعلقه بالمأمور.
وأما القول بأنه إذا جاز وجود مأمور ولا أمر جاز وجود أمر ولا مأمور. فهذا إنما يتحقق أن لو صح وجود مأمور ولا أمر ، والخصم ربما لا يسلم ذلك ، بل له أن يقول : كل مأمور فلا بد له من أمر يتعلق به ، لكن ذلك الأمر قد يكون وجوده تقديرا بالنسبة إليه ، كما يقدر وجود العقد في البيع