والنكاح ، بالنسبة إلى تحقيق ثمراته وأحكامه ، أما أن يكون مأمور من غير أمر فلا. وإذ ذاك فلا يلزم من تقدير وجود الأمر عند وجود المأمور وتعلقه به تقدير وجود المأمور لأن يتعلق به الأمر ، فإنه غير مفيد إلا مع وجود شرطه ، وهو العلم والفهم. وذلك متعذر في حق المعدوم. وعلى هذا يخرج الإلزام بالقدرة ، إذ القدرة ليست عبارة إلا عن معنى يتأتى به الإيجاد فيما هو ممكن أن يوجد. وذلك متحقق بدون وجود المقدور ، فلئن رجع في تقدير جواز تعلق الأمر بالمعدوم ومن لا فهم له ، إلى ما أسلفناه كان ذلك كافيا ووجب الاعتناء به.
وأما ما قيل من أن القرآن معجزة الرسول فيمتنع أن يكون قديما ، فتهويل لا حاصل له ؛ فإنا مجمعون على أن القرآن الحقيقي ليس بمعجزة الرسول ، وإنما الاختلاف في أمر ورائه. وهو أن ذلك القرآن الحقيقي ما ذا هو؟ فنحن نقول : إنه المعنى القائم بالنفس. والخصم يقول : إنه حروف وأصوات أوجدها الله تعالى ، وعند وجودها انعدمت وانقضت ، وأن ما أتى به الرسول وما نتلوه نحن ليس هو ذلك ، وإنما هو مثال له ، على نحو قراءتنا لشعر المتنبي وامرئ القيس ، فإنه ليس ما يجري على ألسنتنا هو كلام امرئ القيس ، وإنما هو مثله ، فمن الوجه الذي لزمنا القول بمخالفة الإجماع هو أيضا لازم لهم.
ولأجل ذلك فر الجبائي إلى مذهب خرق به حجاب العقل ، وارتكب فيه جحد الضرورات ، والتزم به القول بالمحالات ، فقال : إن الله تعالى يخلق كلامه عند قراءة كل قارئ ، وكتابة كل كاتب. وزعم أن الكلام إنما هو حروف منظومة ، تقارن الأصوات المتقطعة ، وليست الحروف نفس الأصوات المتقطعة. ولا يخفى ما في ذلك من مخالفة المعقول ، فإن عاقلا ما لا يماري في أن ما نسمعه من الأفواه إنما هو أصوات متقطعة منسقة منتظمة نوعا من الانتظام ، تخرج من مخارج مخصوصة. وأيضا فإنه لا يعقل معها مقارنة غيرها