بالمعلومات ، فإن كان المعلوم محكوما بفعله عبر عنه بالأمر ، وإن كان بالترك عبر عنه بالنهي ، وأما إن كان له نسبة إلى حالة ما ، بأن كان وجد بعد العدم أو عدم بعد الوجود أو غير ذلك ، عبر عنه بالخبر وعلى هذا النحو يكون انقسام الكلام القائم بالنفس ، فهو واحد وإن كانت التعبيرات عنه مختلفة ، بسبب اختلاف الاعتبارات.
ومن فهم هذا التحقيق اندفع عنه الإشكال وزال عنه الخيال ، فإنه غير بعيد أن يقوم بذات الله ـ تعالى ـ خبر عن إرسال نوح مثلا ، ويكون التعبير عنه ـ قبل الإرسال ـ إنا نرسله ، وبعد الإرسال : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) [نوح : ١] فالمعبر عنه يكون واحدا في نفسه على ممر الدهور ، وإن اختلف المعبر به ، وسببه اختلاف الأحوال والأزمنة ، وذلك لا يفضي إلى الكذب بالنسبة المعبر عنه وهو القائم بالنفس أوليا بالنسبة إلى المعبر به أيضا فإن العرب قد تعبر بلفظ الماضي عن المستقبل ، إذا لم يكن بد من وجوده ، حيث يعدّونه بأنه وجد ، وذلك محض تجوز واستعارة ، ولا بعد فيه.
وكذلك أيضا يجوز أن يقوم بذاته طلب خلع النعل من موسى على جبل الطور ، واقتضاؤه منه على تقدير وجوده ، ويكون المعبر عنه قبل الوجود بصيغة إنا سنأمر ، وعند الوجود بصيغة اخلع الدالة على الطلب ، هو الاقتضاء القديم الأزلي ، ولهذا لو قدر الواحد منا في نفسه اقتضاء فعل من شخص معدوم ، واستمر ذلك الاقتضاء إلى حين وجود المقتضي منه ، فإنه إذا علم به ـ إما بواسطة أو بغير واسطة ـ وكان الطالب يجب الانقياد له ، والإذعان لديه ، كان ذلك الاقتضاء بعينه أمرا له وموجبا لانقياده وطاعته من غير استئناف طلب آخر ، كان ذلك الاقتضاء بعينه أمرا له وموجبا لانقياده وطاعته من غير استئناف طلب آخر ، واقتضاء آخر. فعلى هذا النحو هو أمر الله ـ تعالى ـ للمعدوم وتعلقه به ، واشتراط فهم المأمور إنما يكون عند تعلق الخطاب به في حال وجوده لا غير. ومن فهم كلام النفس ورفع عن وهمه