واقعا ، وأن لا
يتأخر مقدور ما عن وجود القدرة ، ولا يخفى ما في طي ذلك من المحالات.
وإن قالوا :
طريقنا في ذلك ليس إلا قول الأنبياء الذين دلت المعجزات على صدقهم ، وقد قالوا :
إن الله تعالى متكلم بأمر ونهي وغيره.
قلنا : فلو لم
يبعث الله رسولا ، فعندكم أنه يجب على العاقل معرفة الله تعالى معرفة تتعلق بالذات
والصفات ، فكيف يعرف كونه متكلما ، وذلك لا يعرف إلا بالرسول ولا رسول؟ وهذا مما
يلزمكم فيه المناقضة في أحد أمرين : إما في القول بإيجاب المعرفة بالعقل ، وإما في
القول بأن المعرفة مناطة بالرسول ، كيف وأن الرسول على الحقيقة ليس إلا المبلغ
لكلام الغير ، كما حققناه سالفا ، فلو لم يكن للباري تعالى كلام غير كلام الرسول
وهو مدلول كلام الرسول ، وكلام الرسول عبارة عنه ، لم يكن بذلك رسولا كما تقرر.
وهذه المحالات
كلها إنما لزمت من القول بأن المتكلم من فعل الكلام لا من قام به الكلام ، فقد بطل
ما تخيلوه ، وانقطع دابر ما توهموه ، وظهر كون الباري متكلما بكلام قائم بذاته
مختصا به كاختصاصه بباقي صفاته.
ويلزم من ذلك أن
يكون قديما أزليا وإلا كان الباري ـ تعالى ـ محلا للحوادث ، وقد أبطلناه.
وما قيل من أنه
يلزم منه الكذب فيما يتضمنه من الأخبار فحاصله يرجع إلى محض التشنيع ومجرد
التهويل. وعند التحقيق تظهر مجانبته للذوق والتحصيل. ولئن سلكنا ما ذكره بعض
الأصحاب من أن الكلام قضية واحدة. ولا يتصف بكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا إلا
عند وجود المخاطب واستكماله شرائط الخطاب ـ زال الشغب واندفع الإشكال. ولئن توسعنا
إلى ما سلكه الإمام أبو الحسن الأشعري ـ رحمهالله ـ من أنه متصف فيما لم يزل بكونه أمرا ونهيا وخبرا إلى غير
ذلك فغير بعيد أن يكون في نفسه معنى واحدا ، والاختلاف فيه إنما يرجع إلى
التعبيرات عنه بسبب تعلقه