فساد ما ذكروه في رسم المتكلم بأنه من فعل الكلام ، حيث إنه لم يكن شاملا لجميع مجاري المحدود ، والحد ـ والرسم ـ يجب أن يكون شاملا مطردا ، وإلا كان المحدود أعم من الحد وهو محال وأيضا فإنه لو كان المتكلم من فعل الكلام لوجب أن يكون المريد والقادر والعالم من فعل الإرادة والقدرة والعلم ، وليس كذلك بالإجماع ، ولو طالبهم مطالب بجهة الفرق لم يجدوا إلى ذلك سبيلا.
ثم إنه وإن تسومح في أن حقيقة مدلول اسم المتكلم ـ بالنظر إلى الوضع ـ من فعل الكلام فغير مفيد ، بعد التسليم لما أوضحناه ، والموافقة لما قررناه ، من أن المعنيّ بكونه متكلما قيام صفة نفسية به ، هي غير العلم والقدرة والإرادة ، وهي مدلول العبارات والمعني بالإشارات ، كيف وإن ذلك مما يجب تسليمه على موجب أصولهم؟ فإنهم قالوا : إن الكلام مركب من حروف منتظمة وأصوات مقطعة تتعاقب وتتجدد ، منها تكون الكلمة ، ومن تركب الكلمات الكلام ، ومحلها الذي تقوم به إنما هو اللسان ، والمعاني المفهومة منها محلها إنما هو القلب والجنان ، وإن من وجدت منه الأصوات والحروف بدون أن يكون لها عنده معنى في فهمه ، كانت معتوها مجنونا. وإن سمى ما يجري على لسانه كلاما فليس إلا بطريق التجوز والاستعارة. وعند ذلك فلو خلق الله تعالى كلاما مرتبا من حروف منظومة وأصوات مقطعة ، لم يخل إما أن يكون لها مدلول عنده أو ليس لها مدلول عنده : لا جائز أن يقال بأنه لا مدلول لها ، وإلا كان ذلك جنونا وسفها ، وإن كان لها مدلولا فيجب أن يكون غير العلم والقدرة والإرادة لما أوضحناه. وذلك هو المعني بكلام النفس.
ثم نقول : إذا قلتم إن الكلام فعل من أفعاله ، وإن معنى كونه متكلما أنه فاعل الكلام فما طريقكم في إثبات هذه الصفة الفعلية؟ وما دليلكم فيها؟ فإن قالوا : دليل وقوعها كونها مقدورة له تعالى. فيلزم أن يكون كل مقدور