(الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) : أي الذين جاهدوا وصبروا من غيرهم.
(وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) : أي ونظهر أخباركم للناس من طاعة وعصيان في الجهاد وفي غيره.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) : أي بالله ولقائه ورسوله وما جاء به من الدين الحق.
(وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : أي عن الإسلام.
(وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) : أي خالفوه وعادوه وحاربوه.
(مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) : أي عرفوا أن الرسول حق والإسلام حق كاليهود وغيرهم.
(لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) : أي من الضرر لأنه متعال أن يناله خلقه بضرر.
(وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) : أي يبطلها فلا تثمر لهم ما يرجونه منها في الدنيا والآخرة.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين بكشف عوارهم وإزاحة الستار عما في قلوبهم من الشك والنفاق فقال تعالى (أَمْ) (١) أي (حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهم المنافقون والمرض هو مرض النفاق الناجم عن الشك في الإسلام وشرائعه (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) (٢) أي أحقادهم فيظهرها لرسوله والمؤمنين فحسبانهم هذا باطل وقوله تعالى لرسوله (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي بعلامات النفاق فيهم وقوله (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (٣) أي وعزتي وجلالي لتعرفنهم في لحن القول أي في معاني كلامهم إذا تكلموا عندك وبين يديك فإن كلامهم لا يخلو من التعريض بالمؤمنين بانتقاصهم والقدح في أعمالهم ، كما قيل «من أضمر سريرة ألبسه الله رداءها» وقوله تعالى في خطابه المؤمنين (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) ولازمه أنه سيجزيكم بها فاصبروا على الإيمان والتقوى. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) (٤) أي ولنختبرنكم بالجهاد والإنفاق والتكاليف (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) أي حتى نظهر ذلك لكم فتعرفوا المجاهد من القاعد والصابر من الضاجر منكم وبينكم ، (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) أي ما تخبرون به عن أنفسكم وتتحدثون به فنظهر الصدق من خلافه فيه ، ولذا كان الفضيل بن عياض رحمهالله تعالى إذا قرأ هذه الآية بكى وقال اللهم لا تبتلنا فإنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا ، وقوله جل ذكره (إِنَ
__________________
(١) (أَمْ) هي المنقطعة المقدرة ببل وهمزة الاستفهام : فبل : للاضراب الانتقالي ، والاستفهام إنكاري.
(٢) الأضغان : جمع ضغن كحمل وأحمال ، وهو الحقد والعداوة ومحلها القلب : قال الشاعر :
الضاربين بكل أبيض مخذم |
|
والطاعنين مجامع الأضغان |
(٣) (لَحْنِ الْقَوْلِ) هو ما يفهم من الكلام بالتعريض والإشارة لا بصريح القول.
(٤) بلا يبلوا بلوا المرء اختبره ، فالبلو : الاختبار والتعرف على حال الشيء ، ويكون في الشرع بالأمر والنهي.