رَحِيمٌ) في هذا عتاب من الله تعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم إذ حرم جاريته مارية ترضية (١) وذلك أنه صلىاللهعليهوسلم خلا بها في بيت إحدى نسائه فاطلعت عليه فقالت يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي فجعلها أي مارية عليه حراما ترضية لصاحبة الحجرة والفراش. فأنزل الله تعالى هذه الآيات مشتملة على هذه القصة فقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) يعني جاريته مارية القبطية أم إبراهيم. (تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) أي تطلب رضاهن (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بك فلا لوم عليك بعد هذا ولا عتاب فجاريتك لا تحرم عليك وكفر عن يمينك. إذ قال لها هى على (٢) حرام وو الله لا أطؤها.
وقوله تعالى (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ (٣) تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) أي ما تتحللون به من أيمانكم إذا حلفتم وهي ما جاء في سورة المائدة من قوله تعالى (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ، ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) وقوله تعالى (وَاللهُ مَوْلاكُمْ) أي متولى أمركم وناصركم. (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بأحوال عباده (الْحَكِيمُ) في قضائه وتدبيره لخلقه.
وقوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُ) أي أذكر إذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثا وهي حفصة بنت عمر رضي الله عنهما إذ قال لها لقد حرمت فلانة وو الله لا أطأها وطلب منها أن لا تفشى هذا السر. فحدثت به عائشة وكانت متصافية معها توادها.
فأطلع الله تعالى رسوله على ذلك. (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ) لحفصة (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) تكرما منه صلىاللهعليهوسلم. قالت أي حفصة (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا؟ قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ). وقوله : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) أي حفصة وعائشة (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) أي مالت إلى تحريم مارية أي سركما ذلك. وجواب الشرط تقديره تقبل توبتكما. وقوله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) أي تتعاونا عليه صلىاللهعليهوسلم فيما يكرهه ، فإن تعاونكما يا حفصة وعائشة رضي الله عنكما لن يضره شيئا (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) أبو بكر وعمر ، (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) له أي ظهراء وأعوان له عن كل من يؤذيه أو يريده بسوء.
__________________
(١) ترضية أي لبعض أزواجه أي طلبا لرضاها وهي حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
(٢) اختلف أهل العلم فيمن حرم شيئا فإن كان غير الزوجة فالجمهور على أنه لا يحرم ولا كفارة عليه ، وبعض يقول عليه كفارة يمين : أما الزوجة فقد بلغت الأقوال فيها ثمانية عشر قولا أعدلها أن من حرم زوجته بلفظ أنت حرام أو بالحرام إن نوى طلاقها فعليه طلقة ، وإن لم ينو طلاقها فإن عليه كفارة يمين كما في صحيح مسلم عن ابن عباس قال : إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها ، وقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
(٣) تحلة اليمين كفارتها أي من حلف على شيء وأراد أن يعود إليه فليكفر عن يمينه وليأت ما حلف عليه.