فإنهم لا يطلقون لفظ متكلم إلّا على من أوجد الكلام وفعله لأنه اسم اشتقاقي لا يعقل في إطلاقه إلّا بوجود الفعل كالمنعم والمكرم والضارب والقاتل فوجود الفعل أصل في معقولية الاسم المشتق وهذا حقيقة وضع الحقيقة ، «ولعدم الاحتياج إلى نصب القرينة» الدالة على أنّ المراد به خلاف ما وضع له «عند إطلاقه على المسموع فصحّ أنه كلام الله» حقيقة.
ثم نقول : ذلك المعنى الذي زعمتموه القائم بالنفس لا دليل عليه وما لا دليل عليه وجب نفيه.
وإن فرضنا وجوده فلا يخلو : إمّا أن تثبت هذه التعلّقات أعني الأمر والنهي والخبر والاستخبار والدعاء وسائر وجوه الكلام له أو لا ، فإن لم تثبت له فهو باطل لأن حصوله من دون هذه التعلّقات محال لأن هذه التّعلّقات أصل في معقول حقيقة الكلام فيستحيل أن يكون هذا المعنى الذي أوجب صفة المتكلمية حاصلا قائما بالنفس من دونها ، وإن كانت هذه التعلّقات ثابتة معه فهو باطل لأن هذه الصفة المتكلمية عندهم ثابتة في الأزل فيلزم أن يكون قوله تعالى : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) (١).
وقوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ ... وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (٢) وسائر الأخبار والقصص كذبا لا محالة لأنّ الإخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي يكون كذبا ، وهو (٣) معنى ما ذكره الإمام يحيى عليهالسلام وقد بسطت من ذلك في الشرح.
«وإن سلم» (٤) أن الكلام المسموع مجاز «لزم أن يجعلوا للتفاسير ما له من الأحكام» من تحريم لمسها وقراءتها على الجنب والحائض «إذ هى عبارة عنه» أي عن كلام الله الذي هو بزعمهم قائم بذاته فكما أنّ هذا المتلوّ عبارة عنه كذلك التفاسير فيلزم أن يكون حكمهما سواء «ولا قائل بذلك» أي باستواء حكميهما.
__________________
(١) الصافات (٧٥).
(٢) النساء (١٦٣).
(٣) (ب) وهذا وفي نسخة فهذا.
(٤) (ب) ولو سلّم.