مستحقّا عقلا لكان المكلف مغرى بالقبيح والإغراء بالقبيح قبيح.
لا يقال : إذا قلتم : إن العقاب ليس حقّا لله تعالى لكونه غنيّا عن احتياجه إلى الحقوق لزم أن يكون الشكر له تعالى غير واجب على المكلف لأنه لا وجه لوجوبه إلّا كونه حقّا للمالك المنعم والله سبحانه غنيّ عن الحقوق لأنا نقول : لا سوى فإن شكر المنعم حقّ للمنعم لا يصحّ إسقاطه بفطرة العقل من غير نظر إلى انتفاع المنعم بالشكر أو لا : ولو أسقط المالك المنعم وجوب شكره لم يسقط ، فوجوب شكر المنعم متقرر في العقول من غير نظر إلى انتفاع المنعم بالشكر.
حتى لو قال قائل : قد أسقط المالك المنعم عليّ وجوب شكره لعدّ جاحدا لنعمه كافرا لإحسانه وليس كذلك العقاب فإنه لا معنى لكونه حقّا لله تعالى إلّا أن يعود إليه منه أي منفعة وذلك محال.
فثبت أن معنى كونه حقّا هو كونه مصلحة راجعة إلى المكلفين كما قررنا والله أعلم.
وأما استحقاق الثواب بمجرد العقل : ففيه إشكال على مقتضى ما قرّره الإمام عليهالسلام ورواه عن أئمة العترة عليهمالسلام من أن الطاعات شكر وهو أيضا قول البغدادية كما سبق ذكره.
إلّا أن يقال : قد ثبت أن الله سبحانه غني لا يجوز عليه الانتفاع بشيء من أفعال عباده وقد كلفهم الأمور الشاقة فلا بدّ أن يرجع إليهم من فعلها مصلحة لكونه تعالى حكيما ، وانتفاعه جلّ وعلا بأفعال عباده محال فهي وإن كانت شكرا له تعالى على نعمه لا بدّ (١) أن يستحقوا عليها منفعة ومصلحة من جهة الجود والحكمة والعدل ، وإلّا كان شكره تعالى عبثا بخلاف شكر غيره من المخلوقين فإنه يرجع إلى المشكور منه انتفاع وتلذّذ بالشكر والله أعلم.
وهذا معنى ما ذكره أمير المؤمنين كرّم الله وجهه في الجنة ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجرى عليه لكان ذلك خالصا لله عزوجل دون
__________________
(١) (ض) فلا بدّ.