وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) يعني أهل مكة ، وقد أهلك الله الأمم المكذبة بالرسل مما حولها كعاد ، وكانوا بالأحقاف بحضرموت عند اليمن ، وثمود وكانت منازلهم بينهم وبين الشام ، وكذلك سبأ وهم أهل اليمن ، ومدين وكانت في طريقهم وممرهم إلى غزة ، وكذلك بحيرة قوم لوط كانوا يمرون بها أيضا ، وقوله عزوجل : (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) أي بيناها وأوضحناها (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) أي فهلا نصروهم عند احتياجهم إليهم. (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أي بل ذهبوا عنهم أحوج ما كانوا إليهم (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) أي : كذبهم (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي وافتراؤهم في اتخاذهم إياهم آلهة وقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها واعتمادهم عليها ، والله أعلم.
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٢)
قال الإمام أحمد (١) : حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، سمعت عكرمة عن الزبير ، (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) قال : بنخلة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي العشاء الآخرة (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) [الجن : ١٩] قال سفيان : اللّبد بعضهم على بعض كاللبد بعضه على بعض ، تفرد به أحمد ، وسيأتي من رواية ابن جرير عن عكرمة ، عن ابن عباس أنهم سبعة من جن نصيبين.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة (ح) وقال الإمام الشهير الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه دلائل النبوة : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا إسماعيل القاضي أخبرنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الجن ولا رآهم ، انطلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم ، فقالوا حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب. قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها وانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء
__________________
(١) المسند ١ / ١٦٧.
(٢) المسند ١ / ٢٥٢.