شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يزيدون ويكثرون ، فقالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه ، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من السّطة (١) في العشيرة والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضا. قال : فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قل يا أبا الوليد أسمع» قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الأطباء وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع (٢) على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له ، حتى إذا فرغ عتبة ورسول اللهصلىاللهعليهوسلم يستمع منه قال : «أفرغت يا أبا الوليد؟» قال نعم. قال «فاستمع مني» قال أفعل. قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ثم مضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها وهو يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه حتى انتهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك» فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها لي خلّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم. وهذا السياق أشبه من الذي قبله ، والله أعلم (٣).
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٨)
يقول تعالى : (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المكذبين المشركين (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ
__________________
(١) السّطة : الشرف.
(٢) التابع : ما يتبع الإنسان من الجن.
(٣) انظر سيرة ابن هشام ١ / ٢٩٣ ، ٢٩٤.