ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا حفص بن جميع عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) قال : تمموا على كفرهم حتى ماتوا ، وكذا قال مجاهد. وروى ابن أبي حاتم من طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي ، عن علي رضي الله عنه ، أنه قال : يستتاب المرتد ثلاثا ، ثم تلا هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) ، ثم قال : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) يعني أن المنافقين من هذه الصفة ، فإنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ، ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، بمعنى أنهم معهم في الحقيقة يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة ، ويقولون لهم إذا خلوا بهم : إنما نحن معكم ، إنما نحن مستهزئون ، أي بالمؤمنين ، في إظهارنا لهم الموافقة.
قال الله تعالى منكرا عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) ، ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له ، كما قال تعالى في الآية الأخرى (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [فاطر : ١٠]. وقال تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون : ٨] ، والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله والإقبال على عبوديته والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد ، ويناسب هنا أن نذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد (١) : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا أبو بكر بن عياش بن حميد الكندي ، عن عبادة بن نسيء ، عن أبي ريحانه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا وفخرا ، فهو عاشرهم في النار» تفرد به أحمد ، وأبو ريحانة هذا هو أزدي ، ويقال أنصاري ، واسمه شمعون ، بالمعجمة ، فيما قاله البخاري ، وقال غيره : بالمهملة ، والله أعلم.
وقوله : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) ، أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ وينتقص بها وأقررتموهم على ذلك ، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه ، فلهذا قال تعالى : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) في المأثم ، كما جاء في الحديث «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر» والذي أحيل عليه في هذه الآية من النهي في ذلك هو قوله تعالى في سورة الأنعام ، وهي مكية (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [الأنعام : ٦٨] ، قال مقاتل بن حيان : نسخت هذه الآية التي في سورة الأنعام ، يعني نسخ قوله : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) لقوله ـ (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام : ٦٩].
__________________
(١) مسند أحمد ٤ / ١٣٣.