[محمد : ٢٤] ، ثم قال : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ) أي لو كان مفتعلا مختلقا ، كما يقوله من يقول من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم لوجدوا فيه اختلافا ، أي اضطرابا وتضادا كثيرا ، أي وهذا سالم من الاختلاف ، فهو من عند الله ، كما قال تعالى مخبرا عن الراسخين في العلم حيث قالوا (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) [آل عمران : ٧] أي محكمه ومتشابهه حق ، فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا ، والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه فغووا ، ولهذا مدح تعالى الراسخين وذم الزائغين.
قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أنس بن عياض ، حدثنا أبو حازم ، حدثنا عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم ، أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على باب من أبوابه ، فكرهنا أن نفرق بينهم ، فجلسنا حجرة (٢) إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول اللهصلىاللهعليهوسلم مغضبا حتى احمر وجهه يرميهم بالتراب ويقول : «مهلا يا قوم بهذا أهلكت الأمم من قبلكم ، باختلافهم على أنبيائهم ، وضربهم الكتب بعضها ببعض ، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا ، إنما نزل يصدق بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» وهكذا رواه (٣) أيضا عن أبي معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر ، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب ، فقال لهم : «مالكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض ، بهذا هلك من كان قبلكم» قال : فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم أشهده ما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده ، ورواه ابن ماجة من حديث داود بن أبي هند به نحوه.
وقال أحمد (٤) : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني ، قال : كتب إلى عبد الله بن رباح يحدث عن عبد الله بن عمرو ، قال : هجرت (٥) إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما ، فإنا لجلوس إذا اختلف اثنان في آية ، فارتفعت أصواتهما ، فقال : «إنما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب». ورواه مسلم والنسائي من حديث حماد بن زيد به.
وقوله : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) [النساء : ٨٣] إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها ، وقد لا يكون لها صحة. وقد قال
__________________
(١) مسند أحمد ٢ / ١٨١.
(٢) أي منفردين.
(٣) مسند أحمد ٢ / ١٧٨.
(٤) مسند أحمد ٢ / ١٩٢.
(٥) هجرت : بادرت فذهبت مبكرا.