عمار ، حدثنا عبد الرحمن الدشتكي ، أخبرنا أبو جعفر الرازي عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس في قوله : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) قال لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب ، إلا عابري سبيل ، قال : تمر به مرا ، ولا تجلس ، ثم قال : وروي عن عبد الله بن مسعود ، وأنس ، وأبي عبيدة ، وسعيد بن المسيب ، وأبي الضحى ، وعطاء ، ومجاهد ، ومسروق ، وإبراهيم النخعي ، وزيد بن أسلم ، وأبي مالك ، وعمرو بن دينار ، والحكم بن عتيبة ، وعكرمة ، والحسن البصري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن شهاب ، وقتادة نحو ذلك.
وقال ابن جرير (١) : حدثنا المثنى ، حدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن قول الله عزوجل (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد ، فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم ، فيردون الماء ولا يجدون ممرا إلا في المسجد ، فأنزل الله (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبي حبيب رحمهالله ، ما ثبت في صحيح البخاري : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر» (٢) وهذا قاله في آخر حياته صلىاللهعليهوسلم ، علما منه أن أبا بكر رضي الله عنه سيلي الأمر بعده ، ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين ، فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد ، إلا بابه رضي الله عنه ، ومن روى إلا باب علي (٣) ، كما وقع في بعض السنن فهو خطأ ، والصواب ما ثبت في الصحيح.
ومن هذه الآية احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد ، ويجوز له المرور ، وكذا الحائض والنفساء أيضا ، في معناه ، إلا أن بعضهم قال : يمنع مرورهما لاحتمال التلويث ، ومنهم من قال : إن أمنت كل واحدة منهما التلويث في حال المرور ، جاز لهما المرور ، وإلا فلا. وقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ناوليني الخمرة من المسجد» فقلت : إني حائض ، فقال «إن حيضتك ليست في يدك» (٤) وله عن أبي هريرة مثله ، ففيه دلالة على جواز مرور الحائض في المسجد ، والنفساء في معناها ، والله أعلم.
وروى أبو داود من حديث أفلت بن خليفة العامري ، عن جسرة بنت دجاجة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» (٥) ، قال أبو مسلم
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ١٠٢.
(٢) صحيح البخاري (صلاة باب ٨٠)
(٣) مسند أحمد ١ / ٣٣١ و ٤ / ٣٦٩.
(٤) صحيح مسلم (حيض حديث ١١ ـ ١٣)
(٥) سنن أبي داود (طهارة باب ٩٢)