النار ومقامعها وأطباقها. وكان يبكي عند ذلك حتى يرفع صريعا من بين أصحابه قد ذهب عقله. وقال عبد الله بن المبارك : مر رجل براهب عند مقبرة ومزبلة ، فناداه فقال : يا راهب ، إن عندك كنزين من كنوز الدنيا لك فيهما معتبر : كنز الرجال ، وكنز الأموال. وعن ابن عمر : أنه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين ، فيقول : أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] وعن ابن عباس أنه قال : ركعتان مقتصدتان في تفكر ، خير من قيام ليلة والقلب ساه. وقال الحسن البصري : يا ابن آدم ، كل في ثلث بطنك ، واشرب في ثلثه ، ودع ثلثه الآخر تتنفس للفكرة. وقال بعض الحكماء : من نظر إلى الدنيا بغير العبرة ، انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة. وقال بشر بن الحارث الحافي : لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه. وقال الحسن عن عامر بن عبد قيس ، قال : سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يقولون : إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر. وعن عيسى عليهالسلام أنه قال : يا ابن آدم الضعيف اتق الله حيث ما كنت ، وكن في الدنيا ضيفا ، واتخذ المساجد بيتا ، وعلم عينيك البكاء ، وجسدك الصبر ، وقلبك الفكر ، ولا تهتم برزق غد. وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، أنه بكى يوما بين أصحابه ، فسئل عن ذلك ، فقال : فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها ، فاعتبرت منها بها ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها ، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر. وقال ابن أبي الدنيا : أنشدني الحسين بن عبد الرحمن : [مجزوء الخفيف]
نزهة المؤمن الفكر |
|
لذّة المؤمن العبر |
نحمد الله وحده |
|
نحن كل على خطر |
ربّ لاه وعمره |
|
قد تقضّى وما شعر |
رب عيش قد كان فوق |
|
المنى مونق الزّهر |
في خرير من العيون |
|
وظل من الشجر |
وسرور من النبات |
|
وطيّب من الثمر |
غيّرته وأهله |
|
سرعة الدهر بالغير |
نحمد الله وحده |
|
إن في ذا لمعتبر |
إن في ذا لعبرة |
|
للبيب إن اعتبر |
وقد ذم الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته ، فقال (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف : ١٠٥ ـ ١٠٦] ومدح عباده المؤمنين (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قائلين (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا