كسر (١) البيت برمح ، فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر ، فقال : الله أكبر فزت ورب الكعبة ، فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم أجمعين عامر بن الطفيل ، قال : وقال إسحاق : حدثني أنس بن مالك أن الله أنزل فيهم قرآنا : «بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه» ، ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناها زمانا ، وأنزل الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
وقد قال مسلم (٢) في صحيحه : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، قال : سألنا عبد الله عن هذه الآية (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) فقال : أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال «أرواحهم في جوف طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئا؟ فقالوا : أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا ، قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى ، فلما رأى أن ليس لهم حاجة ، تركوا» وقد روي نحوه من حديث أنس وأبي سعيد.
حديث آخر : قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال «ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد ، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى لما يرى من فضل الشهادة» تفرد به مسلم من طريق حماد.
حديث آخر : قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا علي بن عبد الله المديني ، حدثنا سفيان عن محمد بن علي بن ربيعة السلمي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر ، قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أعلمت أن الله أحيا أباك ، فقال له : تمن عليّ. فقال له : أرد إلى الدنيا فأقتل مرة أخرى. قال : إني قضيت الحكم أنهم إليها لا يرجعون». تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن أبا جابر وهو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله عنه ، قتل يوم أحد شهيدا. قال البخاري : وقال أبو الوليد عن شعبة عن ابن المنكدر :
سمعت جابرا قال لما قتل أبي : جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه ، فجعل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينهوني والنبي صلىاللهعليهوسلم لم ينه ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم «لا تبكيه ـ أو ما تبكيه ـ ما زالت
__________________
(١) كسر البيت : جانبه.
(٢) صحيح مسلم (إمارة حديث ١٢١.
(٣) مسند أحمد ٣ / ١٢٦.
(٤) مسند أحمد ٣ / ٣٦١.