عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فأين النار؟ فقال ابن عباس رضي الله عنه : أين يكون الليل إذا جاء النهار ، وأين يكون النهار إذا جاء الليل؟ (١)
وقد روي هذا مرفوعا ، فقال البزار : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا المغيرة بن سلمة أبو هشام ، حدثنا عبد الواحد بن زياد عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم ، عن عمه يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : أرأيت قوله تعالى : (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فأين النار؟ قال : «أرأيت الليل إذا جاء لبس كل شيء ، فأين النهار؟» قال : حيث شاء الله ، قال «وكذلك النار تكون حيث شاء الله عزوجل».
وهذا يحتمل معنيين [أحدهما] أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان ، وإن كنا لا نعلمه ، وكذلك النار تكون حيث يشاء الله عزوجل ، وهذا أظهر كما تقدم في حديث أبي هريرة عن البزار. [الثاني] أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب ، فإن الليل يكون من الجانب الآخر ، فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السموات تحت العرش وعرضها ، كما قال الله عزوجل (كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الحديد : ٢١] والنار في أسفل سافلين فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار ، والله أعلم.
ثم ذكر تعالى صفة أهل الجنة فقال (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) أي في الشدة والرخاء والمنشط (٢) والمكره والصحة والمرض وفي جميع الأحوال ، كما قال (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) [البقرة : ٢٧٤] والمعنى أنهم لا يشغلهم أمر عن طاعة الله تعالى والإنفاق في مراضيه. والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر.
وقوله تعالى : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه ، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم. وقد ورد في بعض الآثار «يقول الله تعالى : يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت ، أذكرك إذا غضبت فلا أهلكك فيمن أهلك» ، رواه ابن أبي حاتم.
وقد قال أبو يعلي في مسنده : حدثنا أبو موسى الزمن ، حدثنا عيسى بن شعيب الضرير أبو الفضل ، حدثني الربيع بن سليمان الجيزي عن أبي عمرو بن أنس بن مالك ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من كف غضبه ، كف الله عنه عذابه ، ومن خزن لسانه ، ستر الله عورته ، ومن اعتذر إلى الله ، قبل الله عذره» وهذا حديث غريب ، وفي إسناده نظر.
__________________
(١) قارن بتفسير الطبري ٣ / ٤٣٧ ، إذ ثمة اختلاف في صيغة العبارة.
(٢) أي الأمر الذي ترغب فيه فتنشط له.