ونزلت : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً).
وروى الواحدي ، وابن جرير ، وابن عساكر ، والسدي عن ابن عباس ، والمفسرين : «جلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما فذكر الناس ، ووصف القيامة ، ولم يزدهم على التخويف ، فرقّ الناس ، وبكوا ، فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي ، وهم : أبو بكر الصديق ، وعلي بن ابي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وأبو ذر الغفاري ، وسالم مولى أبي حذيفة ، والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مضر ، واتفقوا على أن يصوموا النهار ، ويقوموا الليل ، ولا يناموا على الفرش ، ولا يأكلوا اللحم ، ولا الودك ، ويترهبوا ويجبّوا المذاكير ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا ، وكذا؟! فقالوا : بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلا الخير ، فقال : إني لم أومر بذلك ، إن لأنفسكم عليكم حقّا ، فصوموا وافطروا ، وقوموا ، وناموا ، فإنى أقوم ، وأنام ، وأصوم ، وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، ومن رغب عن سنتي فليس مني ، ثم خرج الى الناس ، وخطبهم فقال : ما بال أقوام حرّموا النساء ، والطعام ، والطيب ، والنوم ، وشهوات الدنيا ، أما أني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ، ورهبانا ، فإنه ليس في ديني ترك اللحم ، والنساء ، ولا اتخاذ الصوامع ، وإن سياحة أمتي الصوم ، ورهبانيتها الجهاد ، واعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، وحجوا ، واعتمروا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وصوموا رمضان ، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شدّدوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الديارات ، والصوامع ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فقالوا : «يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ـ وكانوا حلفوا على ما عليه اتفقوا ـ فأنزل الله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ).