فإن قيل : قد
أسندتم الدليل على الوحدانية إلى استحالة ثبوت قديم عاجز ، وأنتم بالدليل على ذلك
مطالبون ؛ قلنا : لو قدرنا قديما عاجزا ، لكان عاجزا بعجز قديم قائم به ، والعقل
يقضي باستحالة العجز القديم ، لأن من حكم العجز أن يمتنع به إيقاع الفعل الممكن في
نفسه. ولو أثبتنا عجزا قديما ، لجرّنا ذلك إلى الحكم بإمكان الفعل أزلا ، ثم
القضاء بأن العجز مانع منه ، وباضطرار نعلم استحالة الفعل أزلا ، وهذا بمثابة
قطعنا باستحالة تقدير حركة قديمة ؛ إذ الحركة لا بد أن تكون مسبوقة بكون في مكان ،
ثم تكون الحركة انتقالا منه.
فإن قيل : ما
ذكرتموه ينعكس عليكم في إثبات القدرة القديمة ؛ إذ القدرة القديمة تقتضي تمكنا من
الفعل ، فالتزموا من إثبات القدرة الأزلية الحكم بإمكان فعل أزلي ؛ قلنا : ليس من
حكم القدرة التمكن بها ناجزا ، إذ لو قدرنا شاهدا قدرة باقية ، واعتقدنا ذلك مثلا
، فلا يمتنع تقدمها على المقدور ، ولا يمتنع منع القادر عن مقدوره مع استمرار
قدرته ؛ فوضح بذلك أنا لا نشترط مقارنة إمكان وقوع المقدور للقدرة ، ويستحيل من كل
وجه التمكن من الفعل مع العجز عنه.
فإن قيل : بم
تنكرون على من يزعم أن مقدورات القديم متناهية ، والكلام في إثبات الوحدانية يتشبث
بنفي النهاية عن مقدورات الإله؟ قلنا : إن خصص السائل السؤال بتقدير قديم واحد ،
فالجواب أن المقدورات لو تناهت مع أن العقل يقضي بجواز وقوع أمثال ما وقع ،
والجائز وقوعه لا يقع بنفسه من غير مقتض ، وفي قصر القدرة على ما يتناهى إخراج
أمثاله عن إمكان الوقوع ، إذ لا يقع حادث إلا بالقدرة ، ومساق ذلك يجر إلى جمع
الاستحالة والإمكان فيما علم فيه الإمكان.
وإن فرض السائل
السؤال عن قديمين ، فزعم أن أحدهما يقدر على قبيل من المقدورات ، والثاني يقدر على
قبيل آخر ، وهذا من أغمض ما يسأل عنه ؛ فنقول : نحن نصور جسما ونتعرض لتقسيم
الدليل لتحريكه وتسكينه. فإن زعم السائل أنهما جميعا خارجان عن مقدوريهما ، كان
محالا مؤديا إلى خلو الجسم عن الحركة والسكون ؛ وإن قدر السكون مقدورا لأحدهما ،
والحركة مقدورة للثاني ، فمآل هذا التقدير التمانع كما قررناه.
فإن قيل : الحركة
والسكون وقبيل الأكوان مقدور أحدهما وليس مقدورا للثاني ، فنفرض الدليل في
الألوان. فإن عورضنا فيها تعديناها إلى قبيل آخر من الأعراض ، ولا نزال كذلك حتى
ينساق الدليل إلى أحد أمرين ؛ إما أن يشتركا في الاقتدار على قبيل من الأعراض ،
ويترتب عليه التمانع ، إذ كل قبيل من الأعراض يشتمل على المتضادات. وإن عورضنا
فرضنا الدليل في المثلين من كل قبيل ليستقر فيه الدليل ، فإن المثلين يتضادان ،
كما سنذكر في درج الكلام إن شاء الله عزوجل ؛ فهذا أحد مآلي الممانعة التي قدرناها.
ولو قال السائل :
إن أحد القديمين ينفرد بالاقتدار على خلق جميع أجناس الأعراض ؛ قيل : هل يتصف
الثاني بالاقتدار على خلق الجواهر أم لا؟ فإن قال السائل : إنه لا يقتدر عليه ،
فقد أخرجه