فإن قال قائل : ما
دليلكم على أن نبيكم أظهر القرآن؟ وما يؤمنكم أن يكون ذلك مختلقا بعده؟ قلنا : لا
حجاج في درء الضرورات ونحن باضطرار نعلم أن نبينا عليهالسلام كان يدرس القرآن ويتلوه ، ويعلمه صحبه وأتباعه ، وما ثبت
توترا معلوم على الضرورة. وجحد ذلك بمثابة جحد كون محمد صلىاللهعليهوسلم في الدنيا ، وهذا كجحد الدول والوقائع وأيام الماضين. ولا
معنى للإطناب في ذلك.
فإن قيل : فإن سلم
لكم ظهور ذلك منه في زمانه ، فما دليلكم على تحديه به وتعجيزه الأمم بالدعاء إلى
معارضته؟ قلنا : هذا أيضا معلوم على الضرورة. فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يزل مدليا بالقرآن ، مدلّا به ، مدعيا اختصاصه بكتاب
الله تعالى المنزل عليه. ومن أنكر ادعاء استيثاره به ، وتعلقه بتخصيص الرب تعالى
إياه بكتابه ، فقد جحد ما تواترت الأخبار عنه.
والذي يحقق ما
قلناه ، أنا على البديهة نعلم أن واحدا من العرب لو أتى ـ تقديرا ـ بمثل القرآن ،
لكان ذلك قادحا فيما يعهد من دعوى النبوءة مزريا به حاطا من رتبته ، وهذا ما لا
سبيل إلى إنكاره ، ولو لا تحديه به لما كان الأمر كذلك. ولا خفاء بما قلناه وقد
نصت آي من القرآن على التحدي وتعجيز العرب ومنها قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [سورة الإسراء :
٨٨] ، إلى غيرها من الآي في معناها.
فإن قيل : لا يبعد
تقدير الاختلاف في هذه الآي بأعيانها ، فإنها لا تبلغ مبلغ الإعجاز فيمتنع تقدير
اختراعها. قلنا : ما من آية هي من القرآن إلا ونقلها ثابت على التواتر ، إذ تلقاها
قراء الخلف عن قراء السلف. ولم يزل الأمر كذلك ، ينقله أصاغر عن أكابر ، حتى استند
النقل إلى قراء الصحابة رضي الله عنهم ، وما نقص عدد القراء في كل دهر عن عدد
التواتر. والذي يوضح ما قلناه ، أنا لو تشككنا في آية بعينها لاتجه ذلك في كل آية
، وذلك يسقط الثقة بنقل جملة القرآن.
فإن قيل : ما الذي
يؤمنكم أن القرآن عورض ، ثم كتم ما عورض به؟ قلنا : هذا محال ، إذ لو كان ذلك كذلك
لظهر الأمر واشتهر ، والخطب العظيم لا يخفي في مستقر العادة ، وادعاء ما ذكره
السائل بمثابة ادعاء خليفة قائم يأمر المسلمين قبل أبي بكر رضي الله عنه ، وذلك
يعلم بطلانه على الضرورة.
والذي يعضد ما
قلناه ، أن الكفرة من لدن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى وقتنا ، باذلون كنه مجهودهم في أن ينكئوا في الدين
بأقصى الإمكان. فلو كانت المعارضة ممكنة غير متعذرة ، لاحتالوا فيها على كرور
الدهور وطول العصور ، ولو خفيت معارضته لاستجد مثلها.
ثم إن كان هذا
السؤال وضربه من القائلين بالنبوءات ، انعكس عليهم جميع ما أوردوه في معجزات
نبيهم. فيقال لليهود : ما يؤمنكم أن موسى عليهالسلام عورضت آياته ، ثم تواضع بنو إسرائيل على طمس الخبر عما جرى
من معارضته؟.
فإن قيل : بم
تنكرون على من يزعم أن العرب ما انكفت عن معارضة القرآن عن عجز ، إنما