جماعة ممّن لقيت ، أنّ الشيخ المفيد ما ترك كتاباً للمخالفين إلاّ وحفظه وباحث فيه ، وبهذا قدر على حلّ شـبه القوم.
وكان يقول لتلامذته : لا تضجروا من العلم ، فإنّه ما تعسّـر إلاّ وهان ، ولا يأبى إلاّ ولان ، لقد أقصدُ الشيخَ من الحشوية والجَبْرية والمعتزلة ، فأذلُّ له حتّى آخذ منه المسألة أو أسمع منه.
وقال آخر : كان المفيد من أحرص الناس على التعليم ، وإن كان ليدور على المكاتب وحوانيت الحاكة ، فيلْمح الصبي الفطن ، فيذهب إلى أبيه وأُمّه حتّى يستأجره ، ثمّ يعلّمه ، وبذلك كثر تلامذته.
وقال غيره : كان الشـيخ المفـيد ذا منزلةٍ عظيمةٍ من السلطان ، ربّما زاره عضـد الدولة ، وكان يقضـي حوائجه ويقول له : اشفع تُشفّع. وكان يقـوم لتلامذتـه بكلّ ما يحتاجون إليه ، وكان المفيد ربعةً ، نحيفاً ، أسمر ، وما اسـتغلق عليه جواب معانـدٍ إلاّ فزع إلى الصلاة يسأل الله فييسّـر له الجواب.
عاش ستّاً وسـبعين سنة ، وصـنّف أكثر من مائتي مصنّف ، وشـيّعه ثمانون ألفاً ، وكانت جنازته مشهودة (١).
قال الذهبي في السير : ذكره ابن أبي طيّ في تاريخ الإماميّة ، فأطنب وأسهب ، وقال : كان أوحدَ في جميع فنون العلم : الأصلَـين ، والفقه ، والأخبار ، ومعرفة الرجال ، والتفسير ، والنحو ، والشـعر ..
وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع العظمة في الدولة البويهيّة ، والرتبة الجسـيمة عـند الخلفاء.
____________
(١) تاريخ الإسلام السنوات ٤٠١ ـ ٤٢٠ / ٣٣٣.